الحقد على القوميات واللغات المغايرة
إن مخرجات ونتائج الحروب المغولية والعثمانية والأوربية والأمريكية وانعكاسها السلبي على الدول العربية قد خلقت هاجساً لدى المكون العربي تجاه أي آخر غير عربي, خاصة وأن الفكر العربي يصر على أنه تعرض للاستلاب والاختراق, وخلق هواجس مريبة لديهم, ووجدوا أنفسهم ضمن دائرة نظرية المؤامرة, والحقد تجاه كل من لا ينتمي إلى ثقافة عربية خاصة أولئك الذين يجاهدون في سبيل الحفاظ على الذات, والكيان, والفكر, والثقافة المختلفة عن الوضعية الفكرية العربية. والمفارقة الرهيبة تكمن في موضوع اللغة, ففي الوقت الذي جاهدت الأنظمة المتعاقبة في كل من إيران وسوريا والعراق وتركيا على محاربة اللغات الكُردية وبدرجات أقل كثيراً السريانية, وتشويه الأدب الكُردي ووضع العراقيل والموانع أمام اللغة الكُردية, إلا أن الشعب الكُردي بقي مواظباً على لغته والاهتمام بها وصيانتها, على الرغم من جميع العقبات والمعوقات والمخاطر التي تواجه كل من يساهم في الحفاظ على هذه اللغة, وفي الوقت عينه نجد أن اللغة العربية وعلى الرغم من الدعم والاهتمام والإمكانيات والقداسة الدينية لها, إلا أنها تعاني من الإحجام عنها وتعاني من اختراقها بمصطلحات ومعاني غير عربية, وتعاني من وطأة آلاف المفردات غير المستعملة وغير الضرورية فيها. لقد دأب الفكر العربي على الاستمرار في مقولة أن الآخر قد سرق المنجزات الحضارية وسلبت منهم, واستفاد الغرب منها لبناء حضارته, وعلى هذا دأب الخطاب العربي على قهر وقسر الحضارات واللغات التي يتعايش معها, لإثبات نجاحه وبقائه وديمومته وأفضلية العنصر العربي, خاصة وأن هاجس الآخر المختلف والمتطور قد بدأ يطفوا على فكر العنصريين والمغالين, حيث كانت بواكير الثقافة والفكر والأدب الكُردي قد لفحت وجوه المتمترسين خلف وشاح الخوف والعنصرية, فالرقم والفخار والحضارة والزراعة منذ عهد الكوتيين والميديين والإمارات الكردية كانت طافحة كالشمس, إضافة إلى رقي اللغة الكُردية ومستواها الأدبي الرفيع كلغة هندو أوربية, وكنتيجة طبيعية بدا الفكر والخطاب الكُردي كرد مباشر على الخطاب العربي, بالتغني بالأمجاد والفتوحات وإدانة الاتفاقيات الدولية التي قسمت كوردستان
دون أن نغفل أن الخطاب الأرمني والأشوري والسرياني لم يكن بعيداً عن هذه الحالة.
تحميل وزر فشل الشخصية العربية
الهاجس الأكبر لدى الفكر العربي كان هاجس إحياء التاريخ والحضارة واللغة العربية, رداً على محاولات التغريب التي مورست على الفكر والشخصية العربية.
كل هذه الأمور ساهمت أكثر في رفع وتيرة التحجر الفكري لدى غلاة الفكر العربي, وأصحاب نظريات أحقية التفرد والوجود, ومنع المشاركة المختلطة في أي إدارة أو حكم.
في الوقت الذي كان يجدر بهم الالتفات إلى القواسم والأنساق المشتركة التي جمعت الشعوب الشرقية في نمطية معيشة سياسية وفكرية وثقافية ولغوية متشابهة, وحتى مشتركة في حالات كثيرة, نجد أن أمثال أحمد صلال وهم كُثر يلجؤون إلى التشويه المتعمد, معتمدين على إرثهم البعثي والشوفيني والعنصري تجاه كل آخر قاوم شتى أنواع الصهر والقهر والإلغاء, ووصلوا بفكرهم إلى خلق ظروف تخدم المصلحة الكُردية, في مقابل سعي الشخصية العربية وفي كوردستان سوريا تحديدا, إلى تشويه وتمسيخ ذاتها, وكأن الكُردي هو السبب في مآسيهم اليوم, ومآسيهم بالأمس. لا شك أن الشخصية السنية في كل من سوريا والعراق هي الأكثر ضرراً من جميع المتغيرات التي طرأت على المنطقة بدءاً من انهيار المنظومة الشيوعية وحتى بدايات الربيع العربي, وكانوا أكثر المقدمين لفاتورة الحرب في سوريا والعراق, لكن ما يجب التأكيد عليه أنهم حصدوا حالة تشرذمهم وخلافاتهم وانجرارهم وراء مشاريع وهمية وسرعة التصديق لهوس السلطة والمال عبر مختلف التنظيمات العسكرية. لا أحد يُنكر أن الشاب السني هو ضحية الخوف, والفقر, والحرمان, لكن لا أحد أيضا يستطيع إنكار أن تلك الموبقات ليس بعيدة عن صنيعة يديه.
الكُرد والحوار المنشود.
كانت الشخصية الكُردية على الدوام تسعى نحو الحوار والتواصل مع العمق العربي, ومحاولة إبعاد الأفكار والقوالب الجاهزة, مع التأكيد على جانب أتباع طرائق خاطئة في فترات كثيرة, لكن لم تجد الشخصية الكُردية نفسها مطلقاً وعبر جميع بيانات وأدبيات أحزابها وكتبات مثقفيها وتصرفات عشائرها, لم تجد نفسها مترفعة عن الحوار الكُردي – العربي, علماً أن التاريخ يجهل أيّ محاولة أو مبادرة للحوار العربي –الكُردي, كانت المبادرات والخطوات على الدوام هي من الجانب الكُردي. وحتى اليوم منذ بداية الثورة والكُرد مندفعون بشدة نحو مفاهيم العدالة الانتقالية لتطبيقها في المرحلة المقبلة, وفق آلية إحقاق الحق ومحاسبة الجناة بشكل قانوني بعيد عن التصفيات أو الانتقامات, وخاصة كل ما يتعلق بمصير القرى والأراضي الزراعية التي سيطر عليها المغمورون بتوجيه ودعم وقرار من النظام السوري في تلك الفترة.
التعليقات (13)