إن أول ما يلفت النظر وأنت تقرأ التصريحات والبيانات المقروءة والمرئية الصادرة عن بعض الجهات الكردية تدرك بشكل واضح الفرق بين ما يقال وبين ما يمارس على الأرض, فالخطاب الظاهري هو المحافظة على سوريا موحدة أرضاً وشعباً ودولة, وهو خطاب لا شك أننا كلنا معه, لا بل هو هدف نسعى إليه, لكن ما يفاجئك هو الممارسة على الأرض, فكل ما يمارس عليها من تصرفات وتحركات من بعض الفصائل الكردية وليس كلها يوحي بشكل جلي إلى ما يحلم به هؤلاء من إقامة كيان مستقل عن المركز أياً كان شكله, فمثلاً عدم رفع علم الثورة على حواجزهم رغم ما يصرحون به كما أشرت, وتسمية حاجز من حواجزهم بـ"جمارك".. يأخذون على كل سيارة تعبر من هذا الحاجز ما يسمونه جمركاً, ومعلوم أن الجمارك تكون بين الدول وليس في وسط الدولة, وقد لفت نظري أيضاً ورقة رسمية أتى بها أحد التجار من هذا الفصيل ليسمحوا له بالعبور مكتوب عليها في الأعلى على اليمين:
(غرب كردستان), وتحت هذه العبارة (كوباني), ثم تحتها تاريخ صدور هذا الكتاب.
كل هذه الأشياء التي عايناها بأنفسنا تجعلنا نتوجس مما يقال في الظاهر والعلن وما يمارس على الأرض, وكأن هناك ما يراد فرضه من سياسة الأمر الواقع. إن ما يقوم به هؤلاء من تصرفات وتحركات توحي بنوايا انفصالية لا تعبر بالضرورة عن الشعب الكردي كله ولكنها تعبر عن فصيل منه هو الوحيد الذي يملك جناحاً مسلحاً يريد فرض سياسة الأمر الواقع في ظرف استثنائي نعيشه, وضعف المركز الذي انشغل بمعركة مع شعبه دمر بها البلاد من أجل المحافظة على شخص.
إن هذه السياسة الفاشلة ستأخذ الشعب الكردي إلى المجهول, وستدفعه إلى معركة ليست معركته. يقول الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت ايزنهاور: "إن السياسات الطيبة لا تضمن النجاح أكيداً, ولكن السياسات السيئة تضمن الفشل محققاً". إن الواقع الجغرافي للأكراد في سوريا يختلف عن أي واقع جغرافي آخر في دول الجوار, فهم منتشرون على كل الأرض السورية, وإن كانت نسبتهم أكثر في مناطق صغيرة كـعفرين وعين العرب (كوباني) وغيرهما من المناطق, لكن هذه المناطق وإن احتوت على أكثرية كردية فهي بالمقابل محاطة بأكثرية عربية, وهذا ما يجعل حلم هؤلاء أشبه بالمستحيل إلا إذا كانوا يحلمون بكنتونات هنا وهناك غير قابلة للعيش. هذا عن الواقع الجغرافي عدا الواقع الإقليمي والدولي الذي لن يسمح ضمن الظروف الدولية الحالية بإقامة كيان كردي مستقل, ولو يسمح بذلك لكان أكراد العراق هم أول من أعلن عن ذلك لما يتمتعون به من خصوصية جغرافية ومقومات دولة هم يمارسونها على الأرض فعلياً باسم إقليم كردستان.
إن الخيار الأفضل للشعب الكردي السوري الذي عانى من النظام الفاسد كما نحن عانينا
هو خيار الشعب السوري وهو إسقاط نظام الفساد وبناء نظام العدل والمساواة والمحافظة على الدولة موحدة, مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية الشعب الكردي من حيث الحقوق الثقافية الخاصة به إضافة إلى الحقوق المدنية العامة التي يتمتع بها أي مواطن يعيش على هذه الأرض.
بهذا الخيار فقط يمكن لإخوتنا الأكراد أن يحصلوا على كل ما يريدون ضمن سوريا موحدة أرضاً وشعباً ودولة, أما الأحلام فهي غير قابلة للتطبيق ضمن الظروف الحالية محلياً وإقليمياً ودولياً.
التعليقات (10)