الثورة السورية ما بين الخطاب السِّياسيّ والخطاب الدِّينيّ

الثورة السورية ما بين الخطاب السِّياسيّ والخطاب الدِّينيّ
إنَّه من المألوف لدينا اليوم بعد كلِّ ما مرَّ علينا خلال هاتين السنتين من عمر الثورة السُّورية العظيمة أن نسمعَ خطاباتٍ متنوِّعةً في الأوساط الثورية سياسيَّةً كانت أو دينية , وكلُّ فريقٍ منهم يحاول أن يثبتَ أن الحقَّ معه وحده دون غيره , وإنَّ هذا الجوَّ من الآراء المختلفة يدلُّ على تنوّعٍ جميلٍ يتصف به الشارع السوري اليوم , ولا شكَّ أنَّ هذا التنوَّع أمرٌ إيجابي ذلك أنّه من منجزات ثورتنا التي قامت بالأصل من أجل تحقيق الحرية بكلِّ نواحيها فكريَّةً أو عقديَّةً , متضمِّنةً الاجتماع والاقتصاد ضمن أطرها التي خصَّ بها الله سبحانه وتعالى بني البشر من مخلوقاته .

واليوم ونحن نحاول استقراء الواقع من خلال الخطاب الذي نسمعه في بعض المناسبات ,كمجالس العزاء مثلاً أو خطب الجمعة , أو ما نراه ونسمعه عبر بعض الفضائيات التي ظهرت ناطقة باسم الثورة السورية , نجد تبايناً بين نوعين من الخطابات , نوعٌ يمكن أن نطلق عليه الخطاب السِّياسيَّ , ونوعٌ آخر يمكن أن نطلق عليه الخطاب الدِّينيَّ , إلا أننا يجب أن نعي أن الخطاب الأخير لا يمثِّل كلَّ أطيافِ هذا التَّيَّار , بل يمثِّل اتجاهاً واحداً منها فقط .

أمَّا الخطابُ الأوَّلُ وهو الخطاب السِّياسيُّ , فهو الخطاب الذي انطلقت الثورة السُّورية في بدايتها على أساسه , إذ أنَّه ومن الأيام الأولى لبداية الثورة تبنَّى مقولة الوطن للجميع , ودعا إلى رفع شعار ( واحد واحد واحد الشعب السوري واحد ) , كما حاول أن يبتعد في خطابه عن الطائفية واضعاً نصب عينيه هدفاً واحداً وهو إسقاط النظام , ثم بناء دولة المواطنة التي تكفل حقَّ الجميع بالمساواة والعدالة والكرامة والحرية , معلناً على الملأ أنها ثورة شعبٍ مظلوم ضدَّ نظامٍ ظالم مستبدٍّ .

أمَّا الخطاب الثاني ذو الصبغة الدينية , فهو الذي ظهر وأخذ ينتشر كردة فعل لما ارتكبه النظام من جرائم بشعة بحقِّ معارضيه وخاصة من أهل السنّة , فرحت تسمع في خطب الجمعة أو مجالس العزاء أو في بعض الفضائيات التي تبنَّت هذا الخطاب إلى درجة أنَّ واحدة من هذه المحطَّات كتبت في أعلى الشاشة على اليمين ( الدم السني واحد ) , أو تقرأ على بعض صفحات "النت" في مواقع التواصل الاجتماعي ( فيس بوك , تويتر ) على لسان بعض المشايخ أنَّ المعركةَ معركةُ إيمانٍ وكفر , وأنَّ هذه الطائفة النصيرية الكافرة تقتل أبناءنا وتنتهك أعراضنا إلى آخر ما يمكن أن يذهب إليه المتحدِّث منهم في معالجته للموضوع .

ومع أن النظام لا يحتاج إلى حججٍ تعينه على إجرامه إلا أنه قام بتوظيف هذا الخطاب لصالحه , واستطاع بخبثه اللعين أن يجرَّ وراءه الطائفة العلوية معارضين وموالين ليسيروا معه إلى نهاية النَّفق المظلم بادعائه أنَّ هؤلاء سيعملون على ذبحكم وقتل أبنائكم , ولذلك لا منجاة لكم ولا خلاص إلا بالوقوف معي في هذه المعركة , فاستطاع جرَّهم إلى دائرة الصراع مستخدماً أساليب قذرة , وذلك في توريطهم أكثر فأكثر تاركاً المجرمين الوحوش من شبيحته يقتلون الأطفال والنساء والشيوخ كما حدث في مجزرة الحولة وغيرها , ومستفيداً من ردة الفعل هذه التي بدأت تظهر في أوساط الثورة نتيجة هذه الجرائم , فجعلها طائفية لأنَّ ذلك يصبُّ في مصلحته ويضمن بقاءه أو يطيله على أقل تقدير .

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن , أيُّ الخطابين يعبِّر عن ثورة الشعب السوري البطل ؟ وأيُّهما يصبُّ في صالح الوطن في نهاية الأمر ؟

إنَّ الإجابة على هذه التساؤلات المشروعة تستوجب منا أن ننظر إلى الساحة الدولية المرتبطة بالإرادة الأمريكية والتي سعت ومازالت تسعى كي يبقى الأسد حاكماً رغم التصريحات الكثيرة التي تتطالبه بالرحيل , ولذلك علينا أن نعي تماماً أنَّ الآخر خائفٌ منا , وبما أنه كذلك فإنه لن يدعنا نبني دولتنا إن لم نحسن اللعب بنفس الأوراق التي يلعب بها .

إنَّ من الخطأ الفادح أن يظنَّ البعض منا أنَّ نجاح الثورة يتوقف على سقوط النظام فقط , بل إنَّ سقوطه هو الخطوة الأولى للنجاح , ووراء هذه الخطوة سنوات من العمل المضني في بناء الدولة , والوفاء بما وعدت به الثورة والثوار من تأسيس دولة مدنية ديمقراطية قائمة على العدل والمساواة .

من هنا يمكن أن نؤكد حسب ما أرى على ضرورة اعتدال الخطاب , والبعد عن التحريض الطائفي لأنَّه يصبُّ دون أن ندري في مصلحة النظام وليس في مصلحة الوطن , ذلك أنَّ الخطاب التحريضي الذي يصوِّر المعركة على أنها معركة إيمانٍ وكفر - إيمانٍ يحمل لواءه المسلمون السنة , وكفرٍ يحمل لواءه العلويون ومن حذا حذوهم سيُدخِل البلادَ في صراعاتٍ طائفيَّة لا أحدَ منتصر فيها , علاوةً على أنَّ ذلك من الممكن أن يدفع الدول الغربية إلى التدخّل سريعاً , وإرسال قواتها خلال أيام ( كما فعلت في مالي ) وذلك بحجَّة حماية الأقليّات الأمر الذي سيؤدي فيما بعد إلى تقسيم سوريا .

إنَّ الخيار الأفضل برأيي لنا نحن – السوريين – جميعاً وخاصةً الثوَّار إذا أردنا أن نبني دولتنا بناءً حقيقياً ونختصرَ ما أمكن فترة المخاض التي سنمرُّ بها , هو في العودة إلى الشعار الأول الذي رفعته ثورتنا العظيمة وهو ( واحد واحد واحد الشعب السوري واحد ) , والسعي لبناء دولة العدالة والمساواة التي لا فرق بين مواطنيها إلا بما يقدِّمُهُ كلٌّ منهما للوطن .

التعليقات (1)

    حقيقةا

    ·منذ 9 سنوات 6 أشهر
    *** ما ابيخك لو فيك خير ما كنت متعصب ... أنت استاذ لغة عربية بس بدون وجدان ... ازا و انت بمكتب صغير عقليتك خشنة مع الطلاب اي شو كان صار لو انك اخذت مركز ؟؟ اي كان سفك دم الناس .. انت ابو العملة . العملة تحركك يمين و يسار .. ما تقول اذا طالب تأخر بالدفع عادي الله يسامحك و تعمل خير و تستناه ؟؟ يعني الناس عندك كلهم اغنياء ؟ أنت نفسك فقيرة للأسف .. الله يعين ولادك عليك . تجوز لنشوف شو أخرتك و كثر العيال ازا ما تقدر تربيهم .. حسبي الله عليك .. عندك ولاد مثل الملائكة وينهم من واقعك ؟ ما يشتكون ؟
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات