واليوم ونحن نعيش ربيعنا العربيَّ نجد هذا المصطلح قد عاد إلى التداول عند شريحة من شبابنا الثائر المتحمِّس مستبشراً بعودتها , بل وداعياً إلى ذلك بكلِّ ما أُوتِي من قوة الحجَّة والبرهان معتبراً عودتها خلاصاً لنا من الظلم الذي طالنا عقوداً من الزمن , وكأن مشكلتنا مع حكامنا هي في التسمية , فبعضهم رئيس والآخرون بين ملك أو أمير أو شيخ أو سلطان , مارسوا علينا كلَّ أنواع العسف والظلم والتهميش وذلك بعد حصول هذه البلاد على استقلالها من الاستعمار الغربي , وكأن لسان حال هؤلاء الشباب يقول : لو كان هؤلاء أو واحد منهم على الأقل يحمل لقب ( خليفة ) لكان عادلاً منزَّهاً عن كل الشبهات , وكأن المشكلة في اللقب وليس في الشخص الذي يحكم , متجاهلين أن الأشياء لا تفارق ماهيتَها , وأن الدنيء يبقى دنيئاً مهما أطلقت عليه من الألقاب الرنانة .
ثم من قال : إن جميع الخلفاء الذين حكموا الدولة العربية الإسلامية كانوا عادلين غير ظالمين , إنَّ ذلك كان عائداً إلى الشخص الذي يقع عليه الاختيار ليكون خليفة , ومدى قربه من الله عزَّ وجلَّ , فإذا كان ورعاً يخشى الله نشر العدل بين الرعية , وحكم بما يرضي الله تعالى كالخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز , أما إذا كان بعيداً عن الله أمضى شبابه في اللهو والاستمتاع بملذات الدنيا , فويل للرعية منه , وهكذا كانت الدولة تمر بأطوار من العدل والرخاء , وأطوار من الظلم والعسف الذي لا يحتمله بشر . إنَّ مشكلتنا في عصرنا الذي نعيشه لم تكن في التسميات ولا في الألقاب ولا في أنظمة الحكم , مشكلتنا كانت في العدل , في الكرامة , في حرية التعبير , في شعورنا أننا عبيد يملكنا هؤلاء .
إن إخوتنا الذين يدعون إلى عودة الخلافة كنظام حكم هل يضمنون لنا أن يحكمنا الخليفة كما كان يحكم الرعيلُ الأوَّلُ من الصحابة رضوانُ اللهِ عليهم أي كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ؟ وهل يضمنون لنا ألا تكون الخلافة وراثية في آل أحدهم يورثها أبناءه واحداً تلو الآخر كما حدث في العهدين الأموي والعباسي ؟
إنَّ من مقتضيات المصلحة العامة للأمة أن تتماشى مع معطيات العصر الذي نعيشه ضمن ثوابتنا الدينية ومنظومة القيم الأخلاقية المتعارف عليها في مجتمعاتنا , أما الإصرار على العودة إلى قشور الماضي وليس إلى جوهره الذي كنَّا به بناة حضارة , فما هو إلا تخبُّطٌ وضياعٌ سيؤدِّي حتماً إلى استهلاك قدرات الأمة فيما لا نفع لها به. إننا اليوم بحاجة إلى ترتيب أوراقنا ضمن متطلَّبات عصرنا الذي نحيا به لنثبت أننا كأمة قادرون أن نبني وأن نشارك في بناء الحضارة الإنسانية من جديد , وذلك لن يكون برأيي إلا من خلال دولةٍ مدنيَّةٍ بعيدةٍ عن العسكرة بكل أشكالها تؤمن بحق المواطنة لجميع مكوِّنات المجتمع الدينية والعرقية , تقوم على تداول السلطة سلمياً عن طريق الاقتراع الحر النزيه الذي يضمن للمواطن حرية اختيار من يحكمه إسلامياً كان أو غير إسلامي , مُتَحمِّلاً بذلك تبعة اختياره. بهذا فقط يمكن أن نثبت جدارتنا بقيادة المرحلة القادمة , ونكون أمناء حقيقيين على ثورة شعبٍ قدَّمَ دمه زكياً من أجل حريته.
التعليقات (4)