لم تعجب طبيعة الردّ الأمريكي المحدود على هجمات الأذرع الولائية الإيرانية وزارةَ الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، إذ يرى البنتاغون عدم فعالية الغارات الأمريكية وقدرتها على تحقيق عامل ردع لإيران، يحدّ من استهدافاتها المتكررة للمصالح الأمريكية في العراق وسوريا، وتصاعدها بشكل لافت، لا سيما منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين أول الفائت.
حسب صحيفة "واشنطن بوست"، فإن "مسؤولين أمريكيين اعترفوا بإحباطهم مما يعتبرونه استراتيجية غير متماسكة لمواجهة وكلاء إيران الذين يُعتقد أنهم مسؤولون عن ذلك".
واعتبر هؤلاء المسؤولون أن الضربات الجوية المحدودة الموافق عليها من قِبل الرئيس الأميركي بايدن، للرّد على تلك الهجمات غير رادعة لإيقاف عنف الميليشيات المدعومة إيرانياً، إذ قال أحد مسؤولي الدفاع للصحيفة: "لا يوجد تعريف واضح لما نحاول ردعه، متسائلًا، هل نحاول ردع الهجمات الإيرانية المستقبلية مثل هذا؟ حسناً، من الواضح أن هذا لا يعمل".
اختبار صبر واشنطن
من المهم الإشارة إلى أن البنتاغون كان قد سجّل ما لا يقل عن 61 حادث اعتداء على القواعد الأمريكية في سوريا والعراق من قبل أذرع إيران، عبر صواريخ وطائرات بدون طيار، أدت لإصابة ما لا يقل عن 60 جنديًا.
وحسب تقرير "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط"، فإن هذا السيناريو (الهجمات الإيرانية على قواعد واشنطن) من شأنه أن يولّد المزيد من الدعوات في الولايات المتحدة لسحب القوات الأمريكية، وهذا بالضبط ما تريده إيران ونظام الأسد وروسيا.
فيما تعتبر إيران أن التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل وثيق للغاية لدرجة أن مهاجمة إحدى هاتين الدولتين تعني عملياً مهاجمة الأخرى. كما تدرك مدى حساسية الولايات المتحدة تجاه الخسائر الأمريكية، حيث ستزداد هذه الحساسية خلال عام الانتخابات الأمريكية المقبلة. وبناءً على ذلك، قد تعمد طهران قريباً إلى تكثيف جهودها لإخراج القوات الأمريكية من المنطقة.
لكن بالمقابل يمكن ملاحظة أن هذه الهجمات لا تلحق أضراراً كبيرة ومدمرة على القواعد، مما يشير إلى أنها لا تشكّل تهديداً جاداً للوجود الأميركي في العراق وسوريا.
في حديثه لأورينت، يشير الباحث في الشؤون الإيرانية، "عمار جلو"، أن الطرفين الأمريكي والإيراني، متفقان ضمنيًا على عدم توسيع دائرة الصراع المندلع في غزة، لأسباب خاصة بالطرفين، لكن إيران لديها خطان، الخط الثوري والخط المؤسساتي، وبعدم إمكانيتها ضبط المليشيات الدائرة في فلكها، فهي مضطرة لتنفيذ بعض الهجمات على القوات الأمريكية بطريقة لا تستدعي ردًّا أمريكيّاً قويًّا يمكن أن يؤدي لتوسيع رقعة الاشتباك، وهو ما يوصي به الحرس الثوري الإيراني، إضافة لرغبتها في اختبار نوعية ومدى الصبر الأمريكي.
ويضيف الباحث جلو، أنه بالنسبة لواشنطن فهي مقيدة أيضاً بردّ لا يؤدي لتوسيع الصراع في غزة حاليًا، رغم استقدامها أصولًا عسكريةً للشرق المتوسط لهذه الغاية، إلا أن نظرتها ما تزال باتجاه البقاء نحو خطّ خلفيّ غير مقطوع مع طهران بخصوص الاتفاق النووي وسواه من الأمور، بهدف تجاوز الانتخابات الأمريكية خريف ٢٠٢٤ بسلامة للديمقراطيين وللرئيس الأمريكي بايدن.
ويشترك الباحث في الشأن الإيراني أيضاً، "مصطفى النعيمي" مع الباحث جلو، في أنه رغم توتر المشهد، وتكرار الهجمات بين الطرفين إلا أنها ليست فعّالة عملياً ولا تشكّل تحدياً كبيراً وحقيقياً للأميركيين ويظهر ذلك من خلال استجابة واشنطن المتساهلة تجاهها.
وعزا النعيمي ذلك خلال حديثه لأورينت، لوجود لوبي ضاغط داخل الولايات المتحدة يرفض اجتياحاً شاملاً تحاول تل أبيب فرضه على المجتمع الدولي والتداعيات المحتملة بالنسبة للولايات المتحدة من أن يتوسع نطاق الاشتباك، لذلك تحاول ضبطه في داخل الأراضي الفلسطينية ولا ترغب بتوسيع نطاق هذا الاستهداف.
قانون لردع إيران
في 14 من نوفمبر الجاري، أعلن مشرعون في مجلس الشيوخ الأميركي، عزمهم تقديم مشروع قانون مشترك بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لردع إيران عن تصعيد الحرب التي تشنها إسرائيل في غزة.
وقال "ليندساي جراهام"، العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع السيناتور الديمقراطي "ريتشارد بلومنتال"، إن 8 أعضاء بالمجلس من الحزبين، سيقدمون مقترحاً الأسبوع المقبل، يدعو الولايات المتحدة إلى "الرد بشكل مناسب" على أي إجراء من جانب إيران لتصعيد الحرب. وأضاف أن "القرار يؤيد حق أصدقائنا في إسرائيل في الدفاع عن أنفسهم".
وتابع: "إحدى المخاوف هو أن تُفْتَح جبهة ثانية في الشمال ضد إسرائيل. حزب الله (اللبناني) لديه مئات الآلاف من الصواريخ، وهو ما سيكون وضعاً سيئاً للغاية بالنسبة لإسرائيل. وما نعتزم القيام به هو حض الإدارة على الذهاب إلى مصدر المشكلة"، معتبراً أن "مصدر المشكلة هو المرشد الإيراني (علي خامنئي) وأعوانه"، مشيرًا في ذات الوقت إلى أنه في حال استمرار إيران في تهديد القوات الأمريكية في سوريا والعراق، فإن الردّ العسكري الصحيح سيكون بضرب قواعد تدريب الحرس الثوري الإيراني، والبنية التحتية داخل إيران."
يشير "الباحث جلو" إلى أن معطيات الحرب في غزة وإمكانية تحقيق إسرائيل لهدفها بتدمير حماس قد يغيّر قناعة الطرفين الأميركي والإيراني بعدم توسيع الصراع، كما أن أيّ استهداف خاطئ وغير محسوب بدقة من كلا الطرفين، قد يفتح الأبواب لكل الأذرع الإيرانية، من جنوب لبنان إلى العراق وسوريا، والقواعد الأمريكية والجانب الإسرائيلي لصراع مفتوح.
ووفق تحليل نشره "المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية"، فإن إيران وشركاءها لن يدخلوا الحرب، فذكاء إيران وقدرتها الهائلة على الدمج بين البراغماتية من حيث مصالحها السياسية الوطنية، وبين الأيديولوجية من حيث تأسس نظامها على العداء الديني المطلق لإسرائيل، يعدّ واحدًا من أسباب عدم دخولها الحرب، فظروف الحرب وميدانها الطبوغرافي يجعل من المستحيل عليها الإقدام على ذلك.
التعليقات (2)