يبقى متوقّعاً ضمن ظروف الحرب الحالية أن تحرص وسائل الإعلام الإسرائيلية على تقييد ومنع نشر أي خبر أو معلومة صادرة عن الفصائل أو السلطات الفلسطينية في غزة، وتعتمد بشكل كامل على تصريحات المسؤولين والناطقين باسم الجيش الإسرائيلي، لكن المبالغة في هذا النهج واستخدام الدعاية الرسمية بشكل مركّز بدأ يؤدي إلى نتائج عكسية.
إذ إنه نتيجة هذه السياسة لم يعد يعرف الجمهور الإسرائيلي حقائق ما يجري من أحداث بشكل دقيق، ما دفعهم لمحاولة البحث عن المعلومات من مواقع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، التي تتعرض هي الأخرى إلى عرقلة أجهزة "السايبر" التابعة للمخابرات الإسرائيلية والتي تحاول حماية الرواية الرسمية ومنع أي خبر أو معلومة تتناقض معها، وهو ما أدى إلى عدم معرفة الجمهور الإسرائيلي بمقتل نحو 60 من الأسرى الإسرائيليين في غزة نتيجة القصف الجوي كما صرّحت الفصائل الفلسطينية هناك.
ومن الأمثلة إبلاغ الجيش الإسرائيلي أهل المجندة الأسيرة "نوعا مارسيانو" بمقتلها في غزة مدعياً الحصول على المعلومة من مصادر استخباراتية، وليس من بيان الفصائل الفلسطينية، كما إن الجيش لم يذكر مقتلها بقصف جوي للطيران الإسرائيلي.
التعتيم الإعلامي أثار حفيظة عائلات الأسرى الإسرائيليين والذين يتهمون حكومة نتنياهو بعدم الاهتمام بحياة أقربائهم المحتجزين في غزة، ومع استمرار مظاهراتهم واحتجاجاتهم منذ السابع من أكتوبر قرروا تنظيم مسيرة من تل أبيب وصولاً إلى مكتب رئيس الوزراء في القدس، من أجل لفت الأنظار نحو ضرورة إعطاء الأولوية للإفراج عن الأسرى رافعين شعار "الآن ..الآن وليس غداً".
أحد أقارب الأسرى المحتجزين في غزة والذي يشارك في المسيرة التي تستمر خمسة أيام قال "أنا وعائلتي لا نشعر أننا بأيدٍ أمينة، لا نشعر أننا نحصل على معلومات كافية، لقد وقعنا في الظلام، نريد إجابات نريد أن نعرف ماذا سيحدث"
لم يقتصر استنكار التعتيم والضبط الإعلامي الكبير لكل ما يُنشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية على عائلات الأسرى وذويهم، بل أدى إلى تشكيك بعض قطاعات المجتمع الإسرائيلي بالرواية الرسمية، حيث أشار محللون عسكريون إلى أن ما ينشره الجيش الإسرائيلي عن نجاح عملياته في مدينة غزة غير دقيق وأن استسلام حماس غير وارد.
وقال المحلل العسكري لصحيفة "معاريف" تل ليف رام"، رغم أن الجيش يسيطر عسكرياً على مناطق واسعة من مدينة غزة وأطرافها إلا أن العمل ما يزال طويلاً ومعقّداً، واعتقاد الجيش أن معظم كتائب حماس في شمال القطاع لم تعد تعمل، غير دقيق، في الواقع يستمر القتال ومن السابق لأوانه التحدث عن استسلامها"
ضمن السياق أشار الدكتور طارق حمود مدير عام مركز العودة الفلسطيني في لندن إلى أن المصادر الفلسطينية أو التي تتبنى الرواية الخاصة بهم بدأت تحظى بمصداقية أكبر من المصادر الإسرائيلية على مستوى العالم وبشكل ما في المجتمع الإسرائيلي عبر المقاطع المترجمة التي تنتشر بين الجمهور هناك، ويرى الدكتور حمود أن هذه الحرب هي الأولى في التاريخ الإسرائيلي التي يخرج في ظل استمرارها مظاهرات في الشارع، وهذا يدل على عدم اقتناع الرأي العام بالرواية الرسمية للحكومة والإعلام الإسرائيلي.
تصاعد الاستهجان الشعبي للخطاب الرسمي للإعلام والجيش الإسرائيلي بعد نشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي "دانيال هغاري" فيديو قال إنه من أسفل مشفى "الرنتيسي" في غزة، مدعياً أن بعض الأسرى كانوا محتجزين في المكان مستشهداً بوجود رضاعة أطفال وحبل بلاستيكي قرب كرسي وستائر ودراجة نارية معطلة مشيراً إلى ورقة معلقة على الحائط أنها جدول مناوبة الحراس، بينما لم تكن سوى جدول لأيام الشهر منذ بدء الحرب في غزة.
فيديو المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أثار موجة من السخرية والاستهزاء في صفحته على موقع إكس وفي مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، وطالبه بعض المعلقين بحذف الفيديو لإنه يشكل إحراجاً لإسرائيل، وذات الشيء حصل في صفحة لـ "أفيخاي أدرعي" المتحدث العربي باسم الجيش الإسرائيلي الذي أعاد نشر الفيديو وصورة جدول الأيام معلقة على الحائط.
لجوء الخطاب الرسمي الإسرائيلي إلى الوسائل التي تستخدمها عادة أنظمة الدول القمعية والاستبدادية، يؤدي لضرب الصورة الذهنية التي تحاول إسرائيل تقديمها عن نفسها وبأنها الدول الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.
التعليقات (0)