شرع الجيش الإسرائيلي خلال الساعات القليلة الماضية باجتياح قطاع غزة برياً بعد فرضه حصاراً خانقاً غير آبه بحياة أكثر من مليوني إنسان داخله.
اللافت كان انتهاج تل أبيب تكتيكات وخططاً عسكرية تماثل ما استخدمته ميليشيا أسد في حربها ضد المدن والبلدات الثائرة على مدى السنوات الماضية.
سياسية الأرض المحروقة
أحد أبرز تلك التكتيكات كان اعتماد الجيش الإسرائيلي على سياسة الأرض المحروقة عبر استهداف ما تطاله صواريخ وقنابل طائراته ودبابته من مقومات البقاء على قيد الحياة كالمرافق والمنازل والشوارع وغيرها، الأمر الذي حوّل بعض مناطق القطاع إلى كتلة هائلة من الدمار.
وقبل أيام، أفاد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، بأن الجيش الإسرائيلي قصف قطاع غزة بأكثر من 12 ألف طن من المتفجرات منذ 7 تشرين الأول الجاري، مضيفاً أن مفعول هذه المتفجرات "يساوي قوة القنبلة الذرية التي أُلقيت على مدينة هيروشيما اليابانية".
وبحسب الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء فقد دمّر الجيش الإسرائيلي منذ 7 من تشرين الأول الجاري ولغاية اليوم 6500 مبنى وألحق أضراراً بـ 190 الف وحدة سكنية ودمّر 16441 منزلاً مستقلاً و79 مقراً حكومياً، وذلك في محاكاة مشابهة لما جرى في حلب على سبيل المثال حيث دمرت ميليشيا أسد 4773 مبنى بشكل نهائي فضلاً عن إلحاق دمار بالغ بـ 14680، والحاق دمار جزئي بـ 16269 مبنى آخر، وذلك وفق أرقام معهد الأمم المتحدة للبحث والتدريب.
تعمّد استهداف المدنيين
وتوازياً مع سياسة الأرض المحروقة تعمّد الجيش الإسرائيلي استهداف المدنيين في كافة أنحاء القطاع، ولا سيما في الجزء الشمالي الذي طالبت تل أبيب بإخلائه.
وتشير الإحصائيات الفلسطينية الرسمية أن الهجمات الإسرائيلية أسفرت عن مقتل 7814 معظمهم من النساء والأطفال فضلاً عن إصابة 20880 آخرين وذلك لغاية تاريخ اليوم.
ذاك المشهد الاجرامي، دفع الصحفي الأمريكي توماس فريدمان لاستذكار مجزرة حماة حيث أكد في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخراً، أن الأسلوب الذي يتّبعه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في غزة، يشابه الأسلوب الذي اتبعه حافظ الأسد مع مدينة حماة في ثمانينات القرن الماضي، حينما قتل نحو 40 ألف شخص فضلاً عن آلاف المعتقلين والمفقودين.
حصار شامل وتجويع
وعلى نهج ميليشيا أسد كذلك، فرضت إسرائيل حصاراً شاملاً على قطاع غزة حيث عمدت قواتها على تطويق القطاع عسكرياً ومنعت وصول المساعدات الأممية والإنسانية إليه إلا النزر اليسير، ثم قطعت عنه الكهرباء والاتصالات والإنترنت والوقود تماماً، كما كانت تفعل ميليشيا أسد أثناء حصار المدن والبلدات السورية المنتفضة كحمص وحلب وريف دمشق ودرعا وغيرها.
خطورة ذلك الحصار دفعت الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش يوم أمس للتحذير من أن النظام الإنساني في غزة يواجه انهياراً كاملاً مع عواقب لا يمكن تصورها على أكثر من مليوني مدني، مطالباً بالسماح بوصول الغذاء والماء والدواء والوقود إلى جميع المدنيين بسرعة وأمان وعلى نطاق واسع. فيما أكدت المنسقة الأممية للشؤون الإنسانية في فلسطين لين هاستينغز، إن إسرائيل تعارض "علناً" إيصال مساعدات إنسانية إلى شمال قطاع غزة.
المشافي والكوادر الطبية والمساجد
وتعمّدت القوات الإسرائيلية استهداف المشافي والكوادر الطبية حيث وثقت منظمة الصحة العالمية 115 هجوماً على مرافق الرعاية الصحية ومقتل 16 عاملاً في مجال الرعاية الصحية وإصابة 28 آخرين، خلال الفترة الممتدة بين 7 و 17 من تشرين الأول الجاري.
وفي حديث لهيئة الإذاعة البريطانية يوم أمس أكد المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة الدكتور أشرف القدرة، أن 12 مستشفى و32 مركز رعاية أولية خرجت عن الخدمة، إما بسبب استهدافها من قبل الغارات الإسرائيلية أو بسبب عدم إدخال الوقود.
وتشير الإحصائيات الفلسطينية الرسمية إلى تعمد القوات الإسرائيلية تدمير 38 مسجداً و 3 كنائس و 35 مدرسة كلياً لغاية اليوم، وهي ذات الأهداف التي كانت تثير الغريزة الدموية لدى ميليشيا أسد التي كانت وراء نحو 800 حادثة اعتداء على منشآت طبية، ونحو 1400 اعتداء على أماكن عبادة، بحسب أرقام الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
استهداف الإعلاميين
ولأن ارتكاب المزيد الجرائم والفظائع يتطلب التضييق على وسائل الإعلام ومنعها من نقل حقيقة ما يحدث، عمدت تل أبيب إلى استهداف الكوادر الصحيفة كما كانت تفعل ميليشيا أسد.
ذلك الأمر وثقته لجنة حماية الصحفيين التي قالت في بيان أمس إنها وثقت على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، مقتل ما لا يقل عن 29 صحفياً واصفة الفترة بالأكثر دموية للصحفيين الذين يغطون الصراع منذ أن بدأت اللجنة نشاطها في تتبع الأحداث عام 1992.
وأكدت اللجنة الأمريكية أن تلك الخسائر تقترن بالمضايقات والاعتقالات وغيرها من عوائق نقل الواقع في مناطق تشمل الضفة الغربية ومناطق السيطرة الإسرائيلية، محذرة من أن قدرة الصحفيين على المشاركة في جمع الأخبار والحصول على إفادات الشهود أصبحت محدودة بشكل متزايد، وبالتالي فإن قدرة الجمهور على معرفة وفهم ما يحدث في هذا الصراع معرضة للخطر الشديد، مع تداعيات محتملة في جميع أنحاء العالم.
يشار إلى أن ميليشيا اسد قتلت وحدها 553 صحفياً وإعلامياً بينهم 5 صحفيين أجانب، خلال سنوات الثورة السورية.
التعليقات (7)