كشف 9 مسؤولين إيرانيين لوكالة "رويترز" موقف نظام الملالي في طهران ووكلائه في المنطقة من الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول الجاري، وسط استمرار القصف العنيف الذي أسفر عن مقتل وإصابة نحو 20 ألف فلسطينياً بينهم آلاف الأطفال والنساء.
وأشارت الوكالة إلى أن إيران كانت قد وجّهت بوقت سابق على لسان وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان، إنذاراً لاذعاً لإسرائيل بوقف الهجوم على غزة وإلا ستضطر لاتخاذ إجراء للرد، لكن سرعان ما خففت من حدة لهجتها حيث أكدت أنها لن تتدخل في الصراع ما لم تهاجم إسرائيل المصالح أو المواطنين الإيرانيين.
وقوف على الهامش
وتواصل إيران إطلاق التصريحات حول ما يحدث في غزة، حيث حذّر عبد اللهيان في أحدث تصريح له الولايات المتحدة وإٍسرائيل بأنه "في حال عدم الكفّ عن الجرائم ضد الإنسانية في غزة، كل الخيارات ستكون مطروحة والمنطقة ستخرج عن السيطرة على حساب المعتدين أنفسهم".
ووفق ما قاله مسؤولون إيرانيون لـ"رويترز" فإن إيران، الداعمة لحركة حماس، تجد نفسها في مأزق بينما تحاول إدارة الأزمة المتصاعدة.
واعتبروا أن وقوف إيران على الهامش في مواجهة الهجوم الإسرائيلي الشامل على قطاع غزة من شأنه أن يعيق بشكل كبير الإستراتيجية الإيرانية للسيطرة الإقليمية التي اتبعتها منذ أكثر من أربعة عقود.
هجمات محدودة ومنع التصعيد
وحدّد المسؤولون الإيرانيون مختلف الأولويات العسكرية والدبلوماسية والمحلية التي تتم دراستها من قبل نظام الملالي.
وقال 3 مسؤولين أمنيين إنه تم التوصل إلى توافق في الآراء بين كبار صناع القرار في إيران في الوقت الحالي، يتمثل في إعطاء مباركتهم للهجمات المحدودة عبر الحدود التي تشنّها ميليشيا حزب الله اللبناني على أهداف عسكرية إسرائيلية، وعلى مواقع منخفضة التكلفة من خلال تنفيذ هجمات على أهداف أمريكية من قبل ميليشيات أخرى تابعة لإيران في المنطقة، إضافة إلى منع أي تصعيد كبير من شأنه أن يجر إيران نفسها إلى الصراع.
وكانت وسائل إعلام إيرانية قد نقلت بوقت سابق عن رئيس لجنة الأمن القومي بمجلس الشورى الإيراني وحيد جلال زاده قوله: "نحن على اتصال مع أصدقائنا حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله.. موقفهم هو أنهم لا يتوقعون منّا القيام بعمليات عسكرية".
ويمكن أن يُنظر إلى التقاعس الإيراني على الأرض على أنه علامة ضعف من جانب تلك القوات الوكيلة، والتي كانت سلاح النفوذ الرئيسي لطهران في المنطقة لعقود من الزمن، وفقاً لـ 3 مسؤولين اعتبروا أيضاً أن ذلك قد يؤثر على مكانة إيران، التي طالما دافعت عن القضية الفلسطينية ضد إسرائيل.
وقال المسؤول السابق في المخابرات الإسرائيلية آفي ميلاميد: "يواجه الإيرانيون معضلة ما إذا كانوا سيرسلون حزب الله إلى القتال من أجل محاولة إنقاذ ذراعهم في قطاع غزة أو ربما سيتركون هذا الذراع ويتخلون عنه".
الأولوية القصوى بقاء إيران
ونقلت الوكالة عن دبلوماسي إيراني كبير قوله: "بالنسبة لكبار قادة إيران، وخاصة المرشد الأعلى علي خامنئي، فإن الأولوية القصوى هي بقاء الجمهورية الإسلامية".
وأضاف: "لهذا السبب استخدمت السلطات الإيرانية لهجة قوية ضد إسرائيل منذ بدء الهجوم، لكنها امتنعت عن التدخل العسكري المباشر".
ومنذ 7 تشرين الأول الحالي تبادلت ميليشيا حزب الله اللبناني إطلاق النار مع القوات الإسرائيلية على طول الحدود اللبنانية - الإسرائيلية في اشتباكات أسفرت عن مقتل 14 من الميليشيا بحسب "رويترز"، فيما نعت وسائل إعلام الميليشيا أكثر من 20 عنصراً جراء الاشتباكات.
وذكر مصدران مطلعان على تفكير ميليشيا حزب الله، أن العنف المنخفض المستوى كان يهدف إلى إبقاء القوات الإسرائيلية مشغولة ولكن ليس فتح جبهة جديدة كبيرة، ووصف أحدهما هذا التكتيك بأنه شن "حروب صغيرة".
لا مواجهة مباشرة
إلى ذلك نقلت الوكالة عن 3 مصادر أمنية إسرائيلية رفيعة المستوى ومصدر أمني غربي قولهم إن إسرائيل لا تريد مواجهة مباشرة مع طهران، وأنه على الرغم من قيام الإيرانيين بتدريب حماس وتسليحها، فإنه لا يوجد ما يشير إلى أن لديهم علم مسبق بهجوم 7 تشرين الأول.
وأضافت المصادر أن إسرائيل لن تهاجم إيران إلا إذا تعرضت لهجوم مباشر من قبل قوات إيرانية، رغم أنها حذرت من أن أي هجوم على إسرائيل من حزب الله أو وكلاء إيران في سوريا أو العراق يمكن أن يغير نهج إسرائيل.
وبحسب مسؤول كبير سابق مقرب من كبار صناع القرار في إيران، فإن الاتفاق الذي توسطت فيه الصين بين إيران والسعودية إلى تعقيد الأمور بالنسبة للقادة في طهران الذين يريدون تجنب تعريض هذا "التقدم الهش" للخطر.
واعتبر المسؤول أن الموقف الإيراني مما يجري في غزة يؤكد على التوازن الدقيق الذي تحافظ عليه طهران بين المصالح الإقليمية والاستقرار الداخلي.
الاحتجاجات في إيران
وقال مسؤولان آخران إن حكّام إيران لا يستطيعون تحمل تكاليف التدخل المباشر في الصراع بينما يكافحون من أجل قمع المعارضة المتصاعدة في الداخل، مدفوعة بالمشاكل الاقتصادية والقيود الاجتماعية.
وخلال الاحتجاجات المناهضة لنظام الملالي في إيران على مدار السنوات الماضية أصبح شعار "لا غزة ولا لبنان، أنا أضحي بحياتي من أجل إيران" شعاراً مميزاً لتسليط الضوء على إحباط وتذمّر الإيرانيين من تخصيص الموارد لوكلاء النظام في الخارج.
التعليقات (5)