في آب /أغسطس الفائت، شنّ رئيس النظام بشار الأسد هجوماً لاذعاً على حركة "حماس" معتبراً أن موقفها في بداية الحرب عام 2011 كان مزيجاً من الغدر والنفاق، وقال الأسد في لقاء مع قناة "سكاي نيوز عربية": "حالياً حماس ليس لديها أي مكاتب في سوريا ومن المبكر الحديث عن مثل هذا الشيء، لأن لدنا أولويات الآن أهمها المعارك داخل سوريا."
حديث الأسد لم يكن عابراً، إذ يمكن من خلاله استنتاج حالة اللامبالاة التي يتعمّدها نظامه في التعامل المتوقع مع حماس الآن، وبخاصة بعد وصول حاملة الطائرات الأميركية إلى البحر المتوسط مع 40 قطعة بحرية، وهي الرسالة الأوضح لأي جبهة سوف تفتح، سواء من الجنوب اللبناني أو سوريا أو أي دولة أخرى، وهو ما كان محتملاً أيضاً بعد تحقيق حماس عنصر المفاجأة والمبادرة في حربها.
في موازاة ذلك، يبدو أن اتفاق الحدود البحرية الذي وُقّع رسميًا بين لبنان والجانب الإسرائيلي تشرين أول/ أكتوبر قد عزّز الهدنة على جبهة لبنان الجنوبية وما تضمنته من بُعد اقتصادي وضمانات أمنيّة شارك فيها حزب الله برعاية الدولة اللبنانية.
وبالعموم فإن وظيفة حزب الله هي أن يظل بمثابة رادع يستخدمه الملالي لتقويض جهود إسرائيل أو الولايات المتحدة عن أي عمل مباشر ضد إيران، فيما لا تريد الأخيرة أن يضيع هذا الردع.
يشير الباحث في الشؤون الإسرائيلية، "خالد خليل" في حديثه لأورينت، أن الدور الإيراني واضح في حرب حماس لا سيما بعد صدور العديد من التقارير الاستخباراتية الإسرائيلية السابقة التي تشير لمحاولة إيران تنشيط الساحة الفلسطينية لصد التقارب السعودي الإسرائيلي المتقدم، إلا أنه قد وصلتها تحذيرات ولأذرعها بعدم الانخراط بالحرب، وما هذه الرسائل إلا ضمن الجهود الأمريكية التي تحاول فيها إنقاذ حليفتها إسرائيل من الحرب المفاجئة.
تعمّد استعمال القوة المفرطة
بداية لا يمكن المرور على اختراق حماس أنظمة المراقبة على غلاف غزة، وفشل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية دون مراجعة، ومدى احتمالية ابتلاع حماس الطعم الإسرائيلي والأمريكي لتنفيذ مخطط قديم طُرح منذ سنوات، إذ تبحث الإدارة الإسرائيلية عن حل جذريّ لملف حماس الذي طالما أرّقها، فضلاً عن نجاح إسرائيل بالحصول على دعم عالمي وتعاطف دولي وتوحّد جبهتها الداخلية السياسية عبر إنشاء حكومة طوارئ بصلاحيات واسعة تضم حزب المعسكر الرسمي المعارض، إضافة لتسليم المسؤولية المباشرة عن إدارة الحرب لفريق مؤلف من ثلاثة أعضاء هم نتنياهو، ووزير دفاعه الجنرال يوآف غالانت، ووزير الدفاع الأسبق الجنرال بيني غانتس، واثنين مراقبين، الجنرال غادي آيزنكوت من حزب غانتس والدبلوماسي رون دريمر من الليكود.
حكومة الطوارئ هذه انتهجت سياسة استعمال القوة المفرطة والأسلحة المحرمة والعقاب الجماعي ضمن مساحة جغرافية صغيرة، دون مبالاة بالحاضنة الشعبية التي تجاوز عددها مليوني مدني، بعد شيطنتها لحركة حماس ووصفِها في أكثر من معرض بتنظيم الدولة داعش، وهو ما تراهن عليه إسرائيل، إضافة إلى عامل الوقت ونفاد صبر الحاضنة، أمام الحديث عن اجتياح بري مشابه لاجتياح بيروت عام 1982، ما يعني توجه الأنظار لحملة تهجير ممنهج قد تكون مُرضية لإسرائيل الساعية في تغيير التركيبة السكانية بعد اجتثاث حماس أو إعادة فرمتتها، وبالتالي تقتصر جبهاتها على تنظيمات شيعية سواء في لبنان أو سوريا، وهو ما يمكن أن يكون عامل استقرار نوعي، وبمباركة إيرانية خفية.
بوادر لتهجير غزة
ظهرت قضية تهجير الفلسطينيين في غزة بعدة مناسبات، أقدمها كان في عهد الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك، ثم ضمن اتفاقية القرن في العام 2020 والتي تشير لإقامة دولة فلسطينية بدون جيش في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقيام مصر بمنح أراضٍ إضافية للفلسطينيين من أجل إنشاء مطار ومصانع وللتبادل التجاري والزراعة دون السماح للفلسطينيين في العيش فيها وسيتم الاتفاق على حجم الأراضي وثمنها كما سيتم إنشاء جسر معلّق يربط بين غزة والضفة لتسهيل الحركة، فيما لم تُخفِ القاهرة في الوقت الراهن مخاوفها من دفع سكان القطاع لنزوح جماعي باتجاه الحدود المصرية مع القطاع، إذ ترافقت مخاوفها مع تصريحات لمتحدث عسكري إسرائيلي دعا فيها الفلسطينيين المتضررين من الضربات الجوية على القطاع إلى التوجّه لمصر.
يرى الباحث خليل، أن فكرة التهجير إلى سيناء ما تزال مجرد تكهنات، لكن هناك معطيات على أرض الواقع تشير لاستدعاء صفقة القرن التي أتى بها الرئيس السابق دونالد ترامب ونتياهو والتي رَشَح عنها في الإعلام اقتطاع أرضٍ للفلسطينيين في سيناء بديلًا عن مبادئ الحل النهائي في أوسلو عام 1993، مع تحصيل مكاسب اقتصادية للفلسطينيين، وهي خطة قديمة منذ أيام الرئيس الراحل حسني مبارك.
لافتاً إلى أنه يمكن ملاحظة دعوة أمريكا للمصريين بفتح معبر إنساني لغزة، في ظل حملة الإبادة التي تشنها إسرائيل منذ اليوم الأول على القطاع وهو ما سيتمخّض عنه أزمة لاجئين، المنفذ الوحيد لهم براً هو الحدود مع مصر.
موقف إيران من احتمالات التهجير
في حديث لأورينت، توقّع "محمد سالم" مدير وحدة الدراسات في "مركز أبعاد" (المختص بالقضايا الدولية والإقليمية والأزمات الكبرى) أن تكون ردود الفعل الإسرائيلية الإجرامية المستقبلية كبيرة على القطاع، نظراً لحجم الضربة الكبيرة التي تلقتها إسرائيل وهو ما يحدث عملياً، والخشية من أن يتطوّر الموضوع إلى تغيير ديموغرافي من خلال تهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء بمصر، وهو أمر يطرح رغم ضعف احتماله.
ويرى سالم أن إيران الداعم الأبرز لحماس تدعم التهجير الديموغرافي عندما يكون ذلك لمصلحتهم، بمعنى إحلال الشيعة مكان السُنة أو في مناطق يتم فيها التشييع، وفي غزة هذا الخيار موجود لديهم الآن أكثر من وجوده في حال استبدال السكان بدروز أو من عرب إسرائيل المتعايشين مع الوجود الإسرائيلي، فحركة الجهاد الإسلامي تميل للتشيّع السياسي مثلاً وهي مناصرة لإيران في غزة.
من جهته يشير الكاتب "أيمن أبو هاشم"، منسّق تجمع مصير الفلسطيني- السوري، أن إيران تحاول مراقبة ما يجري وقبض ثمن صمتها من الجانب الأمريكي كيلا تتدخل، فلا مؤشرات واضحة على التدخل الإيراني، لأنه بالنهاية لا يهمها الحقوق الفلسطينية ولا دماء الفلسطينيين، فمصالحها في المنطقة فوق كل اعتبار.
ويبدو أن إيران تتعامل مع الساحة الفلسطينية بطريقة مختلفة عن الساحة السورية والسبب كما هو معلوم أنها تحاول من خلال القضية الفلسطينية ومتاجرتها بها التغطية على أجندتها ومشاريعها في المنطقة العربية، يؤكد "أبو هاشم" أنه في حال حدوث التهجير رغم استبعاده بسبب الموقف المصري المتشدد وعدم تدخل إيران لوقف هذا التهجير، فإن دور الأخيرة الخبيث سينكشف لكل المخدوعين بها، وبكل مزاعمها بحماية المقاومة.
ختاماً.. ما يزال الغموض يكتنف الدور الإيراني الحقيقي في الحرب الدائرة ضمن قطاع غزة الخاضع لسيطرة حركة حماس، إذ لا يمكن إغفال حذر طهران في توجيه أذرعها في سوريا ولبنان للانخراط في الحرب التي تبدو مصيرية بالنسبة لإيران ووكلائها من جهة، وإسرائيل وحلفائها من جهة أخرى.
ويبقى تردّد إيران في دفع أذرعها الولائية إلى الانخراط في الحرب الدموية مرهوناً بمدى نجاح إسرائيل بإنهاء الفصائل الفلسطينية بغزة واستعادة دورها الردعي إلى ما كان عليه قبل السابع من أكتوبر.
ما يزال الغموض يكتنف الدور الإيراني الحقيقي في الحرب الدائرة ضمن قطاع غزة الخاضع لسيطرة حركة حماس، إذ لا يمكن إغفال حذر طهران في توجيه أذرعها في سوريا ولبنان للانخراط في الحرب التي تبدو مصيرية بالنسبة لإيران ووكلائها من جهة، وإسرائيل وحلفائها من جهة أخرى.
ويبقى تردّد إيران في دفع أذرعها الولائية إلى الانخراط في الحرب الدموية مرهوناً بمدى نجاح إسرائيل بإنهاء الفصائل الفلسطينية بغزة واستعادة دورها الردعي إلى ما كان عليه قبل السابع من أكتوبر.
التعليقات (1)