رغم الترحيب الأممي باستئناف إدخال المساعدات عبر معبر باب الهوى الحدودي لمدة 6 أشهر أخرى، كشف المندوب الروسي خلال تصريحاته في مجلس الأمن مؤخراً، عن عدد من بنود اتفاقية جرت بين نظام أسد والأمم المتحدة في العاشر من أيلول الجاري، وتضمنت بنوداً تمت الموافقة عليها من قبل الأمم المتحدة، وقد كان على رأس تلك البنود إقصاء مجلس الأمن ومنعه من التدخل في ملف المساعدات، وهو ما سينقل صلاحيات الموافقة على دخولها لميليشيات أسد.
وتجسّد الشرط الثاني الذي كشفه المندوب الروسي، بتحويل مسار دخول المساعدات من معبر باب الهوى، إلى المعابر الموجود على خطوط التماس كمعبر سراقب بعد انتهاء مهلة الـ 6 أشهر في مارس/آذار المقبل، وهو ما اعتبرته المندوبة الأمريكية (خطراً) وأن نظام أسد مشهود له بـ (التلاعب بملف المساعدات)، رغم أنها رحّبت بالفكرة.
وبين أخذ وردّ وتراشق للتصريحات حول البنود الغامضة للاتفاق، برز على الساحة طرف ثالث هو مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، والذي تباينت الآراء حوله بين من اعتبره (إنجازاً) كسر الفيتو الروسي، وبين من اعتبره (أمراً خطيراً) يقود لمصائب على الشمال، لكونه موجود في مناطق تحرير الشام المصنّفة على لوائح الارهاب.
تفاصيل الاتفاق
وقال المنسق الطبي لجمعية عطاء (الدكتور مأمون السيد عيسى) لأورينت، إن "الشروط المعلن عنها ليست ما يسعى لها نظام أسد، هناك شروط أخرى تم طرحها مراراً".
وأضاف خلال مشاركته في برنامج هنا سوريا: "تلك الشروط تتمثل بزيادة مشاريع التعافي المبكر، وزيادة حصة المساعدات التي ستدخل عبر خطوط التماس إلى مناطق سيطرة ميليشيا أسد، وهذان الشرطان كانا محل تفاوض بين روسيا والغرب في كل الاجتماعات"، مشيراً إلى أن نظام أسد يعتمد أسلوب تضخيم الأمر ومن ثم الهبوط به لمستوى يمكن قبوله، لذا تنازل عن الشرطين الأولين وربح الشرطين الأساسيين.
وذكر: "بخصوص منح نظام أسد (داتا) العاملين والمستفيدين من الملف الإنساني، هذا أمر خطير ومستحيل ولا يمكن أن تمنح الأمم المتحدة (داتا سرية) خاصة بالمنظمات الدولية، حتى إن المنظمات حريصة على سرية موظفيها وكوادرها، مشيراً إلى أن ما بقي سرياً هو تفاصيل كمية المساعدات على سبيل المثال التي اتفق مع الأمم المتحدة للحصول عليها عبر خطوط الاشتباك.
ما هو مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في إدلب؟
بدوره كشف الناشط السياسي عبد الكريم العمر خلال حديثه، تفاصيل حول ماهية مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، مشيراً إلى أن مهمة المكتب الذي تأسس في إدلب قبل عامين، هي التنسيق العمل بين المنظمات والجهات الداعمة والأمم المتحدة، وقام بجهود كبيرة بالفترة الاخيرة، خاصة بعد التوصل لاتفاق مع الأمم المتحدة لاستمرار دخول المساعدات.
وأضاف: "ليس هناك تفاصيل عن المكتب، ولكنه يتبع لهيئة الشؤون السياسية في تحرير الشام، ويضم خبراء في مجال العمل الإنساني والإغاثي والمجتمع المدني، وهو يتعاطى مع جميع المنظمات الفاعلة في الشمال ويجتمع معها بشكل دوري، كما له تنسيق مع الأمم المتحدة.
وعن الصعوبات التي تواجه عمل المكتب، أجاب: "لا أعتقد أن هناك أي عوائق في عمله، وقد أثبت ذلك عملياً بدخول 17 شاحنة مساعدات للأمم المتحدة بعد المفاوضات الأخيرة بيومين. اليوم بعد كل المحاولات والفيتو الروسي، استطاع المكتب الاجتماع مع الامم المتحدة وتوقيع اتفاق لاستكمال دخول المساعدات".
الأمم المتحدة تركت المساعدات للعبث الروسي
من جانبه، اعتبر مدير وحدة الدراسات في مركز أبعاد (محمد سالم)، أن ما جرى هو تخلٍّ فعلي من الأمم المتحدة وشركائها الدوليين عن ملف المساعدات لصالح الروس وميليشيات أسد، لافتاً إلى أن حجم المساعدات الأممية التي تدخل إلى الشمال السوري تشكل فقط 40 - 50 % من حجم المساعدات، وأن هناك قسم آخر يدخل عن طريق المانحين الدوليين والمنظمات الدولية، وهذه لن تلتزم بما تلتزم به مؤسسات الأمم المتحدة.
وتابع: "كانت روسيا في كل مرة تبتز وتفرض الشروط، وتأخذ حصة كبيرة لصالح النظام، الذي يقوم بتحويل تلك المساعدات لمصدر تمويل للفساد، وروسيا منذ ذلك الوقت باتت متحكمة في ذلك، والمجتمع الدولي غير جاد في هذا الموضوع، لأنه لو أرادت الأمم المتحدة لأوجدت مع شركائها الدوليين غطاء قانونياً يسمح بتمرير المساعدات بعيداً عن مظلة مجلس الأمن"، مشيراً إلى أنه عندما أرادت واشنطن دعم قسد أدخلت المساعدات عبر أربيل وبدون اللجوء لمجلس الأمن أصلاً.
هل انتهى ملف المساعدات؟
ويعتبر الدكتور (مأمون السيد عيسى)، أن المهلة الممنوحة قد تكون فرصة لكسب الوقت من قبل الغرب، ريثما يكتمل مكتب الأوتشا في الداخل، وتنضج الآلية البديلة (إنصاف) المتمثلة بصندوق شيماغ الهادفة لتحرير دخول المساعدات إلى الشمال، واستئنافها بعيداً عن مظلة مجلس الأمن، لافتاً إلى أن صندوق شيماغ تلقّى 350 مليون دولار كمنح لدعم مشاريعه، إضافة إلى أن نظام أسد الضعيف فاقد للسيادة وليس له كلمة يستطيع فرضها، فماذا سيفرض حتى وإن انتهت الـ 6 أشهر؟
الأمم المتحدة.. ذرائع وتلاعب بالملف الإنساني
وأكد الناشط السياسي (عبد الكريم العمر)، أن خضوع الأمم المتحدة للابتزاز الروسي ليس له مبرر، وأن خضوعها هذا هو مجرد تلاعب من قبلها ومن قبل الروس ونظام أسد، تماماً كما تم التلاعب بالملف السياسي.
واعتبر (العمر) أن نظام أسد والروس لن يستطيعوا ضرب ملف المساعدات، نظراً لحاجة مناطق أسد للمساعدات وزيادة حجمها والمشاريع المتعلقة بما يعرف بـ (التعافي المبكر)، كما إن الأمم المتحدة لو أرادت، لاستمرت بإرسال المساعدات إلى الشمال، المعابر هناك لن تغلق لأن جميعها خاضع لسيطرة فصائل المعارضة، وبالتالي حتى روسيا صاحبة الفيتو لن تستطيع إغلاقها.
وأشار لاعتماد الأمم المتحدة سياسة الكيل بمكيالين، مستشهداً بما قامت به الأمم المتحدة عند حصار عين العرب من قبل داعش سنة 2014، عندما استخدمت طيران التحالف نفسه لتقديم المساعدات.
الأمر نفسه الذي أكده الصحفي (محمد سالم)، والذي استشهد بغزو العراق كمثال واضح على عدم اللجوء لمجلس الأمن في مناسبات عدة قائلاً: "حرب بريطانيا وأمريكا على العراق، تمت بدون موافقة مجلس الأمن ولا حتى حلف شمال الأطلسي، رغم وجود بعض الدول التي عارضت الغزو كفرنسا".
وتابع بالقول: "ما أريد إيصاله هناك طرق بديلة كثيرة، وقد سبق أن استخدمتها الأمم المتحدة في الرقة وغيرها من المناطق التي كانت تحت أنظار قسد ويحاصرها تنظيم داعش قبل سنوات، ما يمكن تفسيره في موقف الأمم المتحدة هو نوع من الرضوخ والتلاعب مع الأسف وليس شيئاً آخر".
التعليقات (2)