جميعنا يذكر العبارة الشهيرة للفنان الكبير الراحل نهاد قلعي في دور ... "حسني البرزان" في مسلسل "صح النوم" مع غوار الطوشه دريد لحام، كان حسني البرزان في محاولاته لكتابة مقالة، يبدأ بعبارة: إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا... يجب أن نعرف ماذا في البرازيل. وما إن يبتدئ حتى تأتيه مفاجأة تذهب أفكاره... مفاجأة تأتي بها مقالب غوار.
أتوصل أو أنتهي إلى أن حسني البرزان في بساطته وسذاجته وتلقائيته قبل أكثر من نصف قرن كان يتنبأ بعولمة الكون، وأن كلامه وعباراته أصبحت صالحة الآن. فالشمولية والعالمية في السياسة والاقتصاد والعلوم جعلتنا نقول: إذا أردت أن تعرف ما يجري في سوريا ...... عليك أن تعرف ماذا في واشنطن...!.، واذا أردت أن تعرف لماذا حدث زلزال تركيا أو سوريا أو المغرب…عليك معرفة ماذا يجري في كندا وفي آسيا وفي مناطق أخرى من العالم.
الزلازل.. ثورة طبيعة أم مصيبة فيما كسبت أيدي الناس؟
تتعرض الأرض سنوياً لنحو مليون زلزال، لا يشعر الناس بمعظمها إما لضعفها أو لحدوثها في مناطق غير مأهولة.. فالإنسان لا يحس بالزلزال عادة إلا حين تصل شدته إلى 4 درجات بمقياس ريختر. ويعتبر الزلزال كبيراً حين تزيد قوته على 7 درجات في هذا المقياس.
زلزال المغرب
يوم 9 سبتمبر/أيلول 2023 شهد العالم زلزالاً بشدة 6.8 درجات على بعد حوالي 70 كيلومتر جنوب غرب مراكش في الساعة الحادية عشرة و11 دقيقة مساء بالتوقيت المحلي، وشعرت به مناطق واسعة بالشمال والشمال الشرقي للمغرب، وامتد الشعور به إلى مناطق في الجزائر وإسبانيا والبرتغال.
ووفق مقاييس قوة الزلازل، فإن هزة أرضية بقوة 6.8 درجات تعد من الزلازل القوية، لكن حتى الزلازل المعتدلة القوة قادرة على التسبب في أضرار جسيمة بهذه المنطقة، فعلى بعد حوالي 140 كيلومتر إلى الجنوب الغربي من منطقة الزلزال الأخير قتل زلزال بقوة 5.8 درجات في عام 1960 بين 12 ألفاً و15 ألف شخص.
تظهر بعض التقارير أنه كان بالإمكان توقع حدوث الكارثة، وبعد أن تنتهي الكارثة ويبدأ العالم بعد الضحايا، ومـن جملة هـذه التقارير تقرير نشر عام 2004 حذر بعض العلماء والخبراء أن تجارب نووية ضخمة تجريها بعض الــدول وفي مقدمتها الهند قد تؤدي إلى تصادم صفائح الأرض يطلق عليها "الصفائح التكتونية" "حزام النار" حيث وقع الزلزال حينها في المحيط الهندي، وأشـارت التقارير ذاتها إلى أن التهديد بوقوع زلازل مدمرة مشابهة في منطقة الشرق الأوســط وإفريقيا المرتبطة بالصفائح التكتونية بات أكثر ترجيحاً من ذي قبل.
وذكرت مجموعة من المصادر نقلاً عن مراكز دراسات الزلازل في اليابان أن تقريراً علمياً ورد فيه أن منطقة "حزام النار" التي انطلق منها زلزال المحيط الهادي تشترك فيها العديد من الدول العربية في آسيا، كما ترتبط في الوقت ذاته بعدد من الدول الإفريقية المطلة على ساحل البحر الأحمر ومن بينها مصر، ويتساءل التقرير ما إذا كانت التجارب النووية أسهمت في حدوث زلازل. وعزا العلماء وقتها أن وقوع زلزال المحيط الهادي إلى واحد من احتمالين، إما كنتاج لحركة الطبيعة دون تدخل نشاط بشري، أو أن التدخل البشري قد ساهم في حدوث الزلزال أو زاد من شدته.
وبمـا إنـه لم يثبت إلى الآن أن هناك تجربة نووية سرية قد تكون وراء الزلزال المدمر، على الرغم من وجود شواهد على تدخل الانسان وإثارة الطبيعة فإن التدخل البشري الذي يتم النظرية الأكثر رجوحاً من خلال التجارب والتفجيرات النووية. ومما يعزز اعتقاد العلماء هذا هو أن الأمر يتعلق بالتجارب النووية السبعة التي أجرتها الهند الأشهر القليلة الماضية التي سبقت الزلزال في المحيط.
أيضاً بريطانيا وتركيا أعطت تحذيرات منذ عام 1992 بشأن وجوب عدم إجراء أي نوع من التجارب النووية في المنطقة المعروفة بـ"حزام النار" التي شهدت زلزال المحيط لأن صفائح متصلة بالشرق الأوسط لم تستقر بعد، و بحسب التقرير فإن "حـزام النار" في حال نشاطه سيؤدي إلى تزايد النشاط الفالق الأناضولي أو ما يطلق عليه "وادي الصدع" الذي يمثل خطراً كبيراً على مصر والدول العربية والإفريقية.
ولعل هذا ما يفسر الزلازل الكثيرة التي تعرضت لها تركيا وسوريا في شهر فبراير الماضي . وتتجلى خطورة "وادي الصدع" أنه عبارة عن فجوة كبيرة عمق قشرة الأرض، بحيث أن أي تقابل للصفائح الأرضية لابد وأن يؤدي إلى حـدوث موجات طاقة أرضية مما يسبب زلازل عنيفة وكبيرة، حتى إن العلماء متفقون على أن زلازل وادي الصدع إذا انطلقت بقوتها المقدرة فإنها تكون أخطر مرتين من زلزال آسيا.
وفي حال تحركت فجوة وادي الصدع بشكل مواز مع حركة "حزام النار" كان هذا الزلزال سيبلغ المـغـرب مــروراً بكل دول شمـال إفريقيا. وممـا يؤكد خطورة هـذا الوضع أن زلــزال آسيا قد يمثل مقدمة لزلزال أكبر سيقع بالمستقبل. ووفقاً للتقارير العلمية وقتها وأنا أتحدث عن عام 2004 فإن هذا الزلزال سيُصيب دول الشرق الأوسـط خاصة مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وهي الدول التي تقابل الساحل الشمالي لإفريقيا والــذي يضم الـدول العربية الإفريقية للدول الساحلية الأوروبية.
ما هي العوامل التي ساهمت في حدوث زلزال المغرب؟
إن ما يميز الزلزال الذي ضرب المغرب بأنه زلزال ضحل وقع على عمق 18 كيلومتر من سطح الأرض، وعلى الأغلب تسبّب الزلازل الضحلة أضراراً أكبر من الزلازل العميقة.
من المرجح أيضاً أن جيولوجيا المنطقة من العوامل التي ساهمت في شدة الزلزال؛ حيث إن المنطقة تتكون من صخور رسوبية ناعمة نسبياً؛ مما يسهل عملية كسرها، ويجعلها أكثر عرضة لحركة الصفائح التكتونية التي تؤدي إلى إطلاق كمية كبيرة من الطاقة.
وبعبارة بسيطة فإن سبب حدوث زلزال المغرب يتمثل بحركة الصفائح واحتكاكها ببعضها البعض؛ مما يسبب تراكم ضغط كبير بين الصخور، والذي في نهاية الأمر يتم إطلاقه على شكل زلزال سطحي أو ضحل؛ مما يجعله أكثر تدميراً.
ويقول الناشط البيئي المغربي رئيس مركز آفاق بيئية للإعلام البيئي والتنمية المستدامة محمد التفراوتي في اتصال اجريته معه من مدينة أغادير في المغرب.
"وأنا مستلقٍ على أريكة في المنزل، بدأ السرير يهتز، فجأة شعرت برعشة خفيفة، ودوار غير معتاد. الاهتزاز يتواصل بشدة، الأمر أصبح جدياً وبات الخطب جلل، فتحت باب منزلي وإذا بأسراب من الجيران تركض في الأدرج لبلوغ الساحة مقابل البناء، تجمهرنا نحن وجميع الجيران، مسرعين نحو الساحة، ثم أبعدنا سياراتنا نحو مرآب يبعد عن البنايات الشاهقة ونمنا ليلتنا في الساحات العامة، لقد حمدت الله على النجاة من زلزلة الأرض والسلامة من أن أكون ممن أخرجت الأرض أثقالها".
إن جانب البحث العلمي حول الزلازل بالدول العربية باهت، وإشكالية الباحث هو عدم تواصله مع أصحاب القرار السياسي ومديري الشأن العام، مخرجات بحوثه تبقى في الرفوف وغير معرّف بها لدى الرأي العام، وتقبع الإشكالية أيضاً في عدم اللقاء بين العاملين في نفس المجال، كل جهة تعمل دون تقاسم وتبادل للمعلومات والمخرجات والتوصيات مع جهات أخرى، فإشكالية الزلازل ذات بعد كوني يجب معالجتها في سياق دولي، وندعو بهذه المناسبة لإنشاء منظمة أممية كهيئة عالمية مستقلة تعنى بهذا الشأن.
ولكن الواقع المرّ يقول : إن الطريقة الوحيدة التي يضمن فيها النظام العالمي الجديد بقاءه هو تعدي الإنسان على البيئة وجعل المجتمعات أقل قدرة علمية على مواجهة التلوث البيئي والكوارث الطبيعية.
التعليقات (6)