أثار تقرير تحت عنوان "النساء تروي تجارب مروعة في شبكات الاتجار بالبشر في سوريا"، غضب سوريين، لما يحويه من مزاعم عمليات بيع لفتيات في محافظة إدلب لرجال خليجيين، ويدّعي نقلهنّ مرغمات إلى دمشق وتركيا ليتمّ إجبارهن على عمل الدعارة وبيع أعضائهن، فهو يتضمّن الإساءة ليس فقط لنساء إدلب، بل لدولتي الكويت والسعودية أيضاً.
التقرير نشره موقع "المونيتور" الأمريكي باللغة الإنكليزية في 27 آب الجاري لكاتب مصري يُدعى "عصام صبري حافظ"، يستعرض قصصاً غير منطقية، لعل أبرزها قصة "فتاة اشتراها سعودي" وتم استئصال كليتيها في دمشق وعادت بعدها إلى إدلب، حيث أكد أطباء لـ"أورينت" استحالة العيش بدون كليتين إلا في حال الغسيل المستمر، ليتدارك "المونيتور" هذا الأمر بعد سيل من الانتقادات، فعدّل الجملة من كليتين إلى الكلية اليمنى فقط، وأرفق توضيحاً في نهاية التقرير.
استغراب ورفض مجتمعي
من خلال رصد "أورينت" للردود على التقرير في مجموعات إخبارية، والتواصل مع العديد من المعنيين في إدلب، جميعهم استغربوا من قصص اعتبروها "نُسجت في خيال كاتبها ومثيرة للسخرية".
وقال الصيدلي أحمد المصطفى، لـ"أورينت": "بحكم عملنا في مجال بيع الأدوية هناك تشديد رقابة من الجهات المعنية على تداول حبوب منع الحمل، وذلك لأسباب دينية وعُرفية، بالتالي كيف يتم بيع الفتيات أو الأعضاء بهذه السهولة! فالأعراف والتقاليد تمنع الفتاة في المنطقة من الخروج أو السكن لوحدها".
بدورها، الصحفية سناء العلي، نفت لـ"أورينت" وجود هكذا حالات بحكم وجودها في إدلب، حيث لم تشاهد أو تسمع بهكذا حالات، والتي تُعدّ مساساً بأخلاق المجتمع كله فالـ"متاجرة بالشرف" أمر مرفوض ومن المستحيل أحد يبيع عرضه، فضلاً عن التنقل بين دمشق وإدلب ربّما رسمه كاتب التقرير في مخيلته الهوليودية، حسب وصفها.
في ذات السياق، يرى يقظان شيشكلي، مدير منظمة "مرام" للإغاثة والتنمية، أن هذا الموضوع مرفوض اجتماعياً في المجتمع السوري المحافظ، رغم الحاجة المادية الشديدة، وبالتالي أي حالة من هذا القبيل يتم فضحها عبر تكتل مجموعة من الناس ضدها لعدم تكرارها، مستدركاً في حديثه لـ"أورينت" أنه قد يكون هناك زواج بهدف الإعانة المالية بسبب نقص الموارد، أما عن حالات الاستغلال مقابل المال إن وجدت فهي حالات قليلة، حتى إن السلطات المحلية (إن تواقفنا مع سياستها أم لا) تُحاسب مثل هذه الحالات الفردية إن وجدت عبر القضاء.
كذلك، قال خالد الفجر، مدير منظمة "إنسان" الخيرية، لـ"أورينت": "بصفتي ابن إدلب وأعمل في الشأن العام الإنساني منذ 12 سنة، عندما قرأت التقرير رأيت أنه لا يستحق أن يُقرأ أو يرد عليه وخاصة أنه لم يستند إلى أي دليل سوى بعض الأسماء الوهمية والكلام الوارد فيه يُناقض بعضه".
إساءة وادعاءات
ادّعى التقرير أن رجلاً ستينياً كويتياً يُدعى "أبو عبد الله" اشترى فتاة إدلبية تُدعى "وفاء" عبر رجل دين يُدعى "أبو حمزة" بمبلغ 5000 دولار، واستغلها في الاغتصاب الجماعي وعمل الدعارة ونقلها للعمل في تركيا في حافلة تابعة لـ"هيئة تحرير الشام" بمساعدة من "الحزب الإسلامي التركستاني" في اللاذقية، وأنهى الكاتب قصتها أن عنصراً من تنظيم داعش تزوجها وأعادها إلى إدلب.
كذلك في القصة الثانية زعم أن رجلاً ثلاثينياً سعودياً اشترى فتاة إدلبية مقابل 3000 دولار كجزء من "زواج المتعة"، عبر "داعية إسلامية" في بلدة دير حسان تُدعى "أم زياد"، ثم أخذها لتعيش في شقته بدمشق مع رجال سعوديين آخرين، حيث تناوبوا على النوم معها ثم وجدت نفسها مسروقة الكليتين لتعود إلى إدلب.
كما استند التقرير أيضاً على اتهام المحامي بسام العيسمي المقيم في النمسا بقوله: "إن غالبية السكان في إدلب نازحون ويعيشون في ظل فقر مدقع، ما يدفع نساءهم إلى اللجوء إلى العمل الجنسي لتوفير احتياجاتهن واحتياجات أسرهن اليومية".
وعن موضوع دخول الخليجيين، أوضح يقظان شيشكلي، أن دخول السوري المغترب إلى سوريا سواء مناطق أسد أو المعارضة، أمر بالغ الصعوبة، بل أشبه بالمستحيل، فكيف يكون الأمر بصاحب جنسية أخرى خاصة الخليجيين، وإن وصل إدلب فكيف يصل دمشق! مشيراً إلى استبعاد وجود سعوديين في دمشق، كون العلاقات بين البلدين مقطوعة والسفارات إلى اليوم مغلقة، رغم التطبيع العربي الأخير.
أسباب وأهداف التقارير ضد أهل إدلب
تتكرّر التقارير الصحفية الهادفة إلى تشويه مجتمع مناطق الشمال السوري والذين غالبيتهم مهجّرون ونازحون هرباً من ميليشيا أسد، كان آخرها تقريراً لقناة العربية يتحدث عن سوق للسبايا في إدلب والذي حذفته من معرفاتها بعد تعريته من قبل السوريين، سبقه ما نُشر على موقع "درج" حول مزاعم البلوغ القسري في مخيمات الشمال السوري، إضافة إلى تقرير "الجنس مقابل المال" لمنظمة الرؤية العالمية “World vision”.
وعن أسباب وأهداف التقارير ضد أهل إدلب، يعتقد الصيدلي أحمد المصطفى، أنها كثيرة، ربما من أبرزها أن يقف خلفها جهات خارجية تريد زعزعة الأمن في المنطقة الخارجة عن سيطرة ميليشيا أسد، فمقارنةً بجميع مناطق السيطرة في سوريا تتفوق إدلب من ناحية ضبط أمن المنطقة.
بدورها، الصحفية سناء العلي، ذكرت أن الغاية "وصم إدلب بالإرهاب وشيطنة المنطقة التي يقطنها مدنيون معظمهم مهجرون ونازحون"، خاصة أن السلطات المحلية غير معترف بها دولياً، فالدور يقع على كاهل الصحفيين والمثقفين بالوقوف ضد هكذا تقارير.
أما خالد الفجر، فقد أشار إلى حجم التجني والكذب والافتراء ومحاولة تشويه الصورة لمحافظة إدلب التي غدت تُشكّل شوكة في حلق الأسد وداعميه، مضيفاً: "لقد اعتدنا على هذا الأسلوب من نظام الأسد وأبواقه الإعلامية، فلا ندري أي ارتباط بين هذا الموقع وبين أذرع الأسد في تزوير الواقع".
الحلول.. توضيحات ونصائح قانونية
الصحفي حسن برهان، مسؤول توثيق في "المركز السوري لحرية الإعلام في التعبير"، أجرى اتصالاته مع محامين مصريين وتجمع الحقوقيين بمصر، لتقديم شكوى ضد معد التقرير بدعوى تشهير ونشر معلومات مضللة حول فئة مجتمعية، وتم تقديم صور سكرين عن تقرير ومنشور الصحفي وتعليقاته التي ادّعى فيها وجود سوق بيع للنساء الإدلبيات، وأكدوا له متابعة الموضوع لأخذ خطوات قانونية حول موضوع التشهير، دون نتيجة متوقعة.
"برهان" الموجود في مصر منذ 8 سنوات، أكد لـ"أورينت" أنه لم يلاحظ أيّ توجه ضد السوريين في مصر أو الشمال السوري، بل إن مصر شعباً وحكومةً تيّسر أمور السوريين وترفض العنصرية أو التشهير بهم، فالأمر فردي ويبدو أن الصحفي أراد الشهرة فسار على نهج تقرير قناة العربية الأخير عن سوق السبايا في إدلب، لغاية الترند.
ووفقاً للصحفي "برهان" فإن تقرير "عصام صبري" يعتمد على أسماء مستعارة لشخصيات وهمية، من بينها "أسماء خليل، مديرة المركز السوري لضحايا الاتجار بالبشر في مدينة إدلب"، لافتاً إلى أنه خلال بحثه لم يجد المنظمة أو مديرتها، مضيفاً: لدينا "المرصد السوري لمكافحة الاتجار بالبشر" وللتأكد تواصلتُ معهم حول التقرير واسم المديرة المذكورة، فنفوا تقديم أيّة معلومة لموقع "المونيتور" ولا يوجد لديهم هذا الاسم، كما تواصلت مع منظمات سورية في مصر مثل "منظمة سوريا الغد" بهدف البحث عن الصحفي ورد الادعاءات.
من جانبه أوضح المحامي معاذ ركابي، دكتوراه بقانون الملكية الفكرية في فرنسا، لـ"أورينت" أنّ القوانين متعدّدة بحجم تعدّد الدول، فلكلّ دولة أو مجموعة دول، نظامها القانوني الخاص بها، وتتنوّع القوانين الناظمة للعمل الصحفي، ما بين حرية تعبير كبيرة للصحفي وأخرى تقيّد أكثر هذه الحرية، مستدركاً أن "معظم القوانين تُعاقب على نشر معلومات مضللة بهدف التشهير بفئة معيّنة من الناس"، وخاصة إذا كان هذا التشهير بسبب دين، عرق، لون، أو المكان الجغرافي لهذه الفئة.
وقال ركابي إنّ موضوع تعرُّض سكان إدلب لادعاءات تشتمل على تعميم مقيت، هو منافٍ للعمل الصحفي أولاً، ويمكن أن يكون سبباً للملاحقة القضائية لناشره ثانياً، لكن المشكلة في أن أغلب المحاكم لا تقبل الدعاوى إلا من قبل صاحب الحق.
وأضاف أنه في حالة التشهير الفردي الذي يستهدف شخصاً بعينه فصاحب الحق واضح وهو الشخص المستهدف، أمّا في حالة أن الاشخاص المستهدفين غير معروفين بشكل شخصي، فإن صاحب الحق في هذه الحالة إما أن يكون دولة أو نقابة أو جمعية.
وفي حالة التعميمات الكاذبة التي تطال مدينة كاملة كإدلب، ينصح الدكتور القانوني، بإقامة جمعيات أهلية تتبنى بنظامها الداخلي حماية المرأة مثلاً، ومثل هذه الجمعيات لها الحقّ أن تنصِّب نفسها مدعياً أمام المحاكم بهدف ملاحقة الوسائل الإعلامية التي تتعسّف باستعمال حرية التعبير وتقوم بالإساءة لمنطقة كاملة.
يشار إلى أن تقرير "المونيتور" تداولته عدة مواقع إلكترونية باللغة العربية تحت عناوين تتبنى نهج ميليشيا أسد في النيل من إدلب.. وهنا تشير أورينت إلى مخاطر هكذا تقارير من خلال إعادة نشرها في العديد من المواقع، ما يساهم في تشويه صورة إدلب.
التعليقات (6)