ربما يندم الإنسان عندما يسمع ويرى هذه المقابلة ويندم أكثر عندما يفهم المقصود منها ويندم أكثر عندما يتذكر قول ذلك الفيلسوف البعيد والسارد؛ أنا لا أكره الشخص الذي يكذب علي لأنه يكذب علي ولكني أكرهه عندما يعتقد بأني غبي لدرجة تصل إلى تصديقه أنا أقرأ هذه الجملة البسيطة أتذكر أن الذين يكذبون هم الباقون وأن الشعوب لا تكذب والتاريخ يحتفل بالذين يكذبون ينتزعهم من الحظائر ويرميهم في حضن الغول ويرضعهم الكذب من ثدي كبير جدا رضع منه حكام العالم منذ انتهاء العهد الطوطمي وحتى الآن.
" مفاوضات الأسد مع الأميركي "
الحوارات عمرها سنوات بشكل متقطع ولم يكن لدينا أمل حتى للحظة واحدة بأن الأميركي سوف يتغير، لأن الأميركي يطلب ويطلب، يأخذ ويأخذ ولا يعطي شيء هذه هي طبيعة العلاقة مع الأميركيين منذ عام 1974 منذ خمسة عقود، لا علاقة له بأية إدارة من الإدارات.. فلذلك "لا يوجد لدينا أمل، لكن سياستنا في سوريا هو ألاّ تترك أي باب مغلق في وجه أي محاولة".
هكذا علّق بشار الأسد يوم الخميس الماضي في مقابلة تلفزيونية مع سكاي نيوز عربية في قصر المهاجرين بدمشق حول علاقة حكومته مع الجانب الأمريكي وهي رسالة للبيت الأبيض يأمل منها أن تساهم في تعديل النظرة الأمريكية للحكومة السورية، لرفع العقوبات عنها والدخول في حوار تفاهمات تعدل من سياساتها نحوه.
حديث الأسد حمل العديد من الرسائل إزاء الملفات الإقليمية والدولية في المقابلة الحصرية التي استمرت 30 دقيقة، نفى الأسد أي مسؤولية عن حكومته حول المأساة التي يعيشها السوريون حالياً من جوع وقهر وقتل بعد 12 عاماً من حرب طاحنة فقدت خلالها سوريا ملايين البشر بين قتيل ومعاق ومعتقل، لكنه في الوقت نفسه، اعترف بأن البلاد لم تعد "ذات سيادة كاملة" سوريا بحاجة إلى مساعدة من الأصدقاء روسيا وإيران، كل ذلك كما وصفها نيابة عن العالم من أجل الحد من انتشار الإرهاب الإسلامي في "مناطق أخرى وليس فقط في سوريا والبلدان المجاورة".
ورداً على سؤال عن مستقبل العلاقة بين دمشق والعواصم العربية، أجاب الأسد "هناك بداية وعي لحجم المخاطر التي تؤثّر علينا كدول عربية لكنّها لم تصل إلى مرحلة وضع الحلول"، مضيفاً "طالما لا توجد حلول للمشاكل، فالعلاقة ستبقى شكلية".
تنتظر الدول العربية من دمشق إجراءات ملموسة في ما يتعلق بكبح تجارة المخدرات، أحد أكبر مصادر قلق دول خليجية وخصوصاً السعودية التي باتت سوقاً رئيسية لحبوب الكبتاغون المصنّعة بشكل رئيسي في سوريا.
وقال الأسد في هذا الإطار إنّ "تجارة المخدّرات كعبور وكاستيطان موجودة هذه حقيقة، ولكن عندما تكون هناك حرب وضعف للدولة، فلا بدّ أن تزدهر هذه التجارة، هذا شيء طبيعي".
وأضاف "من يتحمّل المسؤولية في هذه الحالة هي الدول التي ساهمت في خلق الفوضى في سوريا وليست الدولة السورية".
وحول اللقاء مع أردوغان يشترط الأسد انسحاب القوات التركية من نقاط انتشارها في الشمال السوري.
وعن هذه المسألة قال الأسد "لماذا نلتقي أنا وأردوغان؟! لكي نشرب المرطّبات مثلاً؟". وأضاف "هدفنا هو الانسحاب من الأراضي السورية بينما هدف أردوغان هو شرعنة وجود الاحتلال التركي في سوريا، فلذلك لا يمكن أن يتمّ اللقاء تحت شروط أردوغان"
هل سيرث الابن الحكم مثل أبيه؟.. سؤالٌ جاءت إجابته جاهزة: "بالنسبة لي أنا شخصياً لم يكن للرئيس حافظ الأسد أي دور في أن أكون رئيساً، لأنه لم يُؤمّن لي أي منصب مدني أو عسكري كي أكون من خلاله رئيساً".
مضيفاً: "أنا أتيت عبر الحزب بعد وفاة الرئيس، ولم أناقش معه هذه النقطة حتى في الأسابيع الأخيرة من حياته، وهو كان مريضاً في ذلك الوقت".
"نفس الشيء" "العلاقة بيني وبين ابني هي علاقة عائلة، لا أناقش معه هذه القضايا، خاصة أنه ما زال شاباً وأمامه مستقبل علمي، أمامه مسار علمي لم ينهِه بعد، وهذا يعود لرغباته"
وتابع بقوله: "أما على مستوى العمل العام فهو يعود للقبول الوطني لأي شخص إن كان هو لديه رغبة بالعمل العام، لكن أنا في الحقيقة لا أفضّل ولا أرغب بمناقشة هذه التفاصيل معه لا الآن ولا لاحقاً."
وشدد الأسد على أنه "سيكون من الجيد عودة اللاجئين الذين غادروا بلادهم لكن في الوقت نفسه أوضح أنّ البنى التحتية المدمّرة بفعل سنوات الحرب تشكل التحدّي الأبرز الذي يعيق عودتهم إلى بلدهم.
تساءل الأسد "كيف يمكن للاجئ أن يعود من دون ماء ولا كهرباء ولا مدارس لأبنائه ولا صحة للعلاج؟ هذه أساسيات الحياة"، مشيراً إلى "وجود حوار بين الحكومة السورية وبين عدد من الجهات في الأمم المتحدة المعنية بالجانب الإنساني" بهذا الصدد.
وتابع "بدأنا نناقش معهم بشكل عملي مشاريع العودة، وكيفية التمويل، وما هي متطلباتها إلا أنّ منظمات حقوقية ودولية تحذّر من عمليات ترحيل "قسرية"، وتشدّد على أنّ توقّف المعارك لا يعني أنّ ظروف عودة اللاجئين باتت آمنة في ظلّ بنى تحتية متداعية وظروف اقتصادية صعبة وملاحقات أمنيّة وعمليات توقيف تطال أحياناً عائدين إلى سوريا، الأمر الذي نفاه الأسد.
في مؤتمر المانحين لسوريا في بروكسل، حزيران الماضي، أعاد الاتحاد الأوروبي التأكيد على الالتزام بالمساعدات التي تعهّد بها من قبل، والتي تزيد عن 1.5 مليار يورو وتعهّد الاتحاد الأوروبي بتخصيص 560 مليون يورو (600 مليون دولار) إضافية في عام 2024 لمساعدة الدول المجاورة لسوريا على تحمّل تكاليف استضافة اللاجئين السوريين، وأشار بيان الاجتماع إلى ضرورة الاهتمام بجدية أكثر مع أزمة اللاجئين في سوريا والمنطقة.
وقال "سيكون من الخطأ الفادح نسيان الأزمة السورية الآن، إن المزيج المدمّر من الحرب الأهلية والنزوح الجماعي والجفاف الكارثي والزلزال له عواقب وخيمة".
ومن الأمور الهامة التي ركز عليها المجتمعون ضرورة التأكد من اتهامات المعارضة بأن نظام الأسد يثري نفسه من خلال سرقة المساعدات، وشدّد على أن المساعدات مخصصة للسوريين في وطنهم وكذلك للاجئين السوريين والدول المضيفة لهم وليس لنظام الرئيس بشار الأسد.
ومن جهتها، أعلنت الولايات المتحدة مساعدات إضافية لسوريا قيمتها 920 مليون دولار خلال مؤتمر بروكسل. وأضافت الوزارة في بيان أن الحزمة الجديدة ترفع إجمالي المساعدات الإنسانية الأمريكية لسوريا والمنطقة إلى 1.1 مليار دولار هذا العام ونحو 16.9 مليار دولار منذ بدء الحرب في سوريا حتى الآن.
وقُتل أكثر من 500 ألف شخص في الصراع في سوريا الذي بدأ في عام 2011 بعد قمع الاحتجاجات، ووفقاً للأمم المتحدة، نزح أكثر من 12 مليون سوري، معظمهم داخل حدود البلاد ونحو 5.4 مليون شخص يعيشون كلاجئين في البلدان المجاورة.
بقي الأسد في السلطة بدعم روسي وإيراني، كان استرداد نظام دمشق لمقعده في جامعة الدول العربية غير مقبول دولياً، وكان بمثابة نجاح رمزي كبير لحاكم دمشق.
التعليقات (14)