منبج ومقاومتها للفساد والطغيان

منبج ومقاومتها للفساد والطغيان

لم يكن هناك شكّ حول قدرة أهالي منبج على تنفيذ شيءٍ قرروه وأعلنوا تنفيذه، فقد قام أهل منبج بإضراب عام ضد ممارسات نظام الأسد وتضامناً مع المدن الثائرة، وكان هذا الإضراب في أواخر سنة 2011 أي السنة التي اندلعت فيها شرارة الثورة، وقد كان لدخول منبج ميدان الثورة مظهرٌ حضاريّ بارز تجلى بالمظاهرات السلمية ضد نظام الأسد، ثم بالإضراب كما مرّ آنفاً حتى التحرير بيوم الأربعاء الموافق 19/7/2012.

واستمر المظهر الحضاري لثورية هذه المدينة التاريخية العريقة بمحافظة ثوارها على مؤسسات الدولة وحمايتها من اللصوص وقطاع الطرق والعملاء الذين لا شكّ أن النظام زرعهم ووزّعهم لينشروا الفوضى في المدينة بعد انسحابه منها.

ثم جاء تنظيم داعش في الشهر الأول من سنة 2014 ليبسط سيطرته على المدينة بعد معارك شرسة خاضها مع ثوارها الصادقين الذين اضطروا إلى الانسحاب لقلة الذخيرة وانقطاع الدعم ولقلّتهم بعد هروب جموع المتثوّرين ممن لبسوا لباس الثورة وحملوا السلاح لغايات شخصية ومطامع دنيوية لا علاقة لها بالثورة، أضف إلى ذلك قيام التنظيم بقصف المدينة بالهاون، ما أدى إلى استشهاد عدد من المدنيين الأبرياء.

قام تنظيم داعش بفرض سيطرته ورؤيته وفهمه العقيم للدين الإسلامي الحنيف على أهالي المدينة الذين يميلون إلى الوسطية في كل شيء في حياتهم، كما كل السوريين، ونظراً لهذه الممارسات قام الأهالي بتنفيذ إضراب عام شمل كل أنحاء المدينة بيوم 18/5/2014، رغم تهديد التنظيم بتحطيم واجهات المحال المضربة واعتقال أصحابها، إلا أن الأهالي أكملوا إضرابهم للنهاية ولم يأبهوا بما صدر عن التنظيم من تهديدات، وبذلك تُعدّ مدينة منبج المدينة الوحيدة التي تمرّدت على تنظيم داعش خلال فترة حكمه على مساحات واسعة من سورية والعراق.

وعندما تم دحر التنظيم من المدينة على يد التحالف الدولي وذراعه العسكرية ميليشيا "قسد"، وسيطرة الأخيرة على كل مناحي الحياة في المدينة من تجارة واقتصاد، واحتكار الاستيراد والتصدير للمواد الرئيسية التي تقوم عليها حياة الناس، حيث لم يتركوا شيئاً إلا قاموا باحتكار استيراده والتحكم بسعره حسبما يرتؤون، أضف إلى ذلك سياسة التجنيد الإجباري التي انتهجتها قسد، قام الأهالي بتنفيذ عدة إضرابات خلال السنين الفائتة من حكم قوات قسد على المدينة.

وبنفس التاريخ 19/7/2023 قام أهالي منبج بإضراب عام شمل كل أنحاء المدينة احتجاجاً على ممارسات تنظيم قسد، ابتداءً من السيطرة على التجارة والاقتصاد وفرض الأسعار التي يريدها، أضف إلى ذلك الضرائب الكثيرة والكبيرة التي راح يتفنّن في اختراعها لدعم خزينته من العملة الصعبة، وليس انتهاء بسياسة التجنيد الإجباري على شباب المدينة، والتي أدّت إلى موجة هجرة جديدة باتجاه تركيا ثم إلى أوروبا، فلم تعُد نسبة الشباب في المدينة كبيرة مقارنة مع كبار السن.

والمصادفة العجيبة في هذا الإضراب الأخير أنه وافق باليوم والتاريخ يوم التحرير من نظام الأسد، فقد انسحب النظام من المدينة يوم الأربعاء 19/7/2012، وإضراب أول أمس يوافق يوم الأربعاء 19/7/2023، فيا لها من مصادفة!

ولعلنا أخيراً نستطيع القول إنّ المظهر الحضاري الذي تأبى مدينة منبج إلا الظهور به، يبعث في نفوسنا الأمل حول قدرة شعبنا السوري على تجاوز محنته الكبرى بالخلاص من الطغيان والفساد بالطرق السلمية الحضارية التي تتصف بها شعوب الأرض المتحضّرة.

التعليقات (1)

    الحر ابن منبج

    ·منذ 9 أشهر أسبوعين
    منبج الابية
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات