ديناميات الهويّة الكردية في سوريا بين الاستيعاب والاختلاف

ديناميات الهويّة الكردية في سوريا بين الاستيعاب والاختلاف

تنتاب القوميات والشعوب غير العربية في سوريا، الكثير من الهواجس والمخاوف، لسببين مركّبين أولهما: عام ومشترك مع عموم السوريين حول مصير بلادهم ومستقبلها، وثانيها: غياب مفهوم رسم سياسات الهويّة ودورها في استقرار الدولة السورية، وعدم الأخذ بالحسبان دور وأهمية وتأثير الهويّات الفرعية الثقافية والسياسية في استقرار الدولة، بل والاقتناع أنها تُصبح بمثابة التحدي في وجه استقرار الدولة وبناء الهويّة الوطنية، وعوضاً عن البحث العميق والجدّي في سبيل إيجاد المخارج لجملة الأزمات التي تعصف بالبلاد، ومن ضمنها أزمة الهويّة السورية، فإن نمطيات التفكير السابقة تستمر في إعادة تدوير نفسها، رغم تجاوز عقد على الحراك السوري.

لكن الأكثر سوءاً وأشدها غرابة هو استمرار الاعتراض على إعادة تعريف الهويّة السورية بدعوى أن الثقافة السورية هي عربية صرفة، هذا من جانب الحكومة السورية، أو كونها هويّة إسلامية ولا مجال للتعددية، وفقاً لأدبيات الجماعات الدينية ضمن المعارضة السورية، أو في أحسن الأحوال فإن هوامش حرية الهويّات في سوريا لا تقتضي الاقتراب من جذر المشكلة الهويّاتية في سوريا القائمة على التهميش والإقصاء والنفي.

 وتتفق كل الأطراف على عدم تصميم سياسات عامة جديدة تهدف إلى فرض معاملة خاصة لأعضاء الجماعات التي تعرف نفسها بخصائصها الثقافية والقومية، هذا التعامي عن التناقضات السوسيوثقافية الكبرى هو شر مطلق، وماعاد بالإمكان استمرار نهج الإنكار وغض الطرف عنها. فهي تؤدي إلى البؤس الاجتماعي، والاضطرابات المجتمعية، وتعميق الشرخ بين المكونات والسلطة، وبل حتى حصر الموارد المالية بعيداً عن العدالة الاجتماعية وحصرها في أيدي قلة من الخاصة، ويكفي التدليل أن لا مادة/ مقرر جامعي-مدرسي يُشجع على التعددية السياسية والثقافية كهويّة جامعة للبلاد، ضمن هياكل الحكم المحلية لما يسمى "الإدارة الذاتية، أو الحكومة السورية"، أو حتى الحكومة السورية المؤقتة، كُلهم يسعون صوب هوية أحادية لا غير.

ضمن السياق الزمني والتاريخ السياسي لمآسي الهويّات في سوريا، لعب القدر دوراً في مصير الجماعات الخاصة من كرد وتركمان وآشوريين، ووجدوا أنفسهم ضمن حدود الدولة السورية حديثة العهد، ولم يُستشاروا كما لم تأخذ رغبة المكوّن العربي أيضاً في سؤال هل ترغبون/ موافقون على العيش معاً، لتجد الأجيال اللاحقة أنهم أمام محرّكين أساسيين لسلوكياتهم الأول: أن المكونات لم تتجه عن سابق إصرار وتصميم صوب الصراع العرقي السياسي الاجتماعي، بل إنها ساهمت في نشأة الدولة السورية، لتأتي السياسات اللاحقة لفرض كل أشكال التباغض بينهم والثاني: أن لا تقدير ولا استيعاب لتلك المساهمات ولا احترام للتعددية والخصوصية القومية والثقافية في سوريا، وإنما فقط عليهم تحمّل نتيجة مولوده في جماعة عرقية.

والخطير في الأمر هو ما تتعرض له اللغات الخاصة بتلك الشعوب؛ حيث يُستدل على الموقف الرسمي من تراث وأسلوب حياة والحقوق القومية والدينية ومناهج تلك الهويّات عبر واقع ورهان لغتها، خاصة وأن الهويّة الثقافية هي كتلة من التصورات والقيم والخصوصيات وجملة الخصائص التي يتميز ويستقل بها شعب/مجتمع عن غيره؛ تبعاً لخصوصيته التاريخية والحضارية، ولا يوجد شعب من شعوب العالم لا ينتمي إلى ثقافة تتميز عن غيرها، ويتميز بها عن غيره، وفي اللحظة نفسها فإن تلك الهويّة تتطور باستمرار ولها ثلاث مستويات مركّبة لا غنى لإحداها عن الأخرى وهي هويّة فردية، جماعية، وطنية، وفي ظل غياب حرية هذه الاختلافات فإن تلك الخصائص تغيب وتذوب الذات الهويّاتية في الآخر فتنتهي وتندثر، لولا المقاومات الناعمة والمباشرة.

ووفق هذه المطالب الهويّاتية المحقة، فإن الهويّة هي الكيفية التي تُعرف المجتمعات بها ذواتهم وأممهم وتراثهم ووجودهم التاريخي، وتلعب اللغة والثقافة و بما فيها الدين أشكالاً لها وأدوات مهمة للعمل؛ لأن الهويّة الفرعية حين تصبح مرتاحة، فهي تبتعد عن الأحادية والانعزالية، وتتجه صوب التكامل والتجمع، أو تختار الصدام لو أُهملت وأُقصِت، بمعنى أن الهويّات هي عوامل تفكيك وتمزّق مجتمعي، أو ممهدات قوية ومركزية لأرضية صُلبة تقوم عليها عوامل الاتحاد والتنمية. 

وهي حقوق طبيعية للأقوام في سوريا في مسعاها نحو المحافظة على ثقافة الأسلاف، وبما تتطلبه من تفاعل متبادل بين الثقافات الإنسانية وتسمى هويّات متثاقفة، واكتساب الصفات الحضارية لجماعة أخرى من خلال الاتصال والتفاعل بينها وهو ما يسمى بالتكيف الثقافي أو التثاقف بين الهويّات. ولطالما لا تزال الهويّة والحفاظ عليها هو الأصل في أي اهتمام سياسي مجتمعي، فما الذي يمكن أن يكون أكثر شرعية من رغبة وطموحات وسلوكيات الجماعات/الأفراد في الحفاظ والإبقاء على تلك الهويات إلى الأبد، والجواب أن الدفاع عن الهويات يشبه محاولة الفرد الإبقاء على جيناته الوراثية إلى الأبد.

إن الطموح الرامي للحفاظ على الهويّة الجماعية للأبد يُعدّ بلا نزاع طموحاً يمكن تحقيقه بأساليب مختلفة، فمثلاً إذا افترضنا أن النظام السياسي يساند دعم اللغة الكردية في المدارس والجامعات سواء في المنطقة الكردية أو في عموم سوريا، فإن ذلك سيدفع الكثير من الشرائح الاجتماعية الميسورة والأحزاب والجمعيات لدعم نفقات التدريس، بل ويُزيد من حدّية الترابط بين المكونات أنفسهم، عبر التعارف اللغوي بينهم والاقتراب أكثر من التراث والفلكلور الكردي، وليس عبر منع اللغة والثقافة والهويّة السياسية للكرد.

 فالهوية الثقافية هي كيانات يجب أن تنسب الحقوق إليها بشكل واضح، وتستند تلك الحقوق إلى مصالح أفراد تلك الجماعات ويمكن إيجاد قواسم مشتركة بينها يسودها العدل والنقاشات الثقافية واللغوية.

التعليقات (1)

    Namroud

    ·منذ 10 أشهر يوم
    لقد امل الكرد خيرا مثلهم مثل الشعب السوري بكل شرائحه بتغيير النظام الفاشي البعثي وبالثوره السوريه الجميله قبل ان يغتصبها مجرموا داعش والاخونجيه البعثيين ويجعلون منها وسيله لتصفية حسابات واسسوء منظمة الارهاب العالميه المسماة الجيش الكر بكل ميليشياته المجرمه والارهابيه مثل اب عمشه وابو خديجه وابو ظرطه ليظهروا حقد فظيع ضد الشعب الكردي, بان البشر صاروا يتمنون بقاء نظام الخنزير البعثي الف سنه في سوريا بدل ان يحكمها الكلاب امثال ابو عمشه والدواعش الاخونجيه الزناديق مع الاسف... وخلينا نكون صريحين, الشعب الكردي لاينتمي باي شيء للشعب العربي, لا لغه ولا حضاره ولا تاريخ ولا حاضر ولا مستقبل العيش المشترك هو مجرد اغتصاب وثرثره ليس الا... ولن تهدا المنطقه ما دامت الشعوب لم تتحرر وتنال حقوقها, اكانت هذه عربيه ام كرديه, اما ذر الرماد في الاعين والتبجح بان الكرد والعرب سيعيشون مع بعض فهو سخافه... مادام العربي ينكر وجود الكردي وثقافة الكردي فلن يكون هناك حريه وهدوء لهم وعندهم ايضا وهذا ينطبق على الفاشيه التركيه مثلها مثل النازيه العربيه والنظام الاسلاموي القرون اوسطي النتن في ايران القذاره.... شكرا عفوا واهلا
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات