سوريا.. ماذا في جَعبة الصيف؟

سوريا.. ماذا في جَعبة الصيف؟

لعله من الطبيعي جداً أن تكون القضية السورية محطّ جدلٍ وأخذٍ ورد ضمن وسط المحللين السياسيين، لما لهذه القضية من أهمية إنسانية وأخلاقية، فرضت نفسها بقوة على ساحة الاهتمام العالمية عبر أكثر من عقد من الزمن، نظراً لكمِّ التضحيات الهائل الذي دفعه السوريون ثمناً لحريتهم.

ولعل انطلاق قاطرة التطبيع العربي مع نظام الأسد، والتي بدأ تحركها فعلياً بإعادة النظام ليشغل مقعد الجمهورية العربية السورية في قمة الجامعة العربية في العاصمة السعودية الرياض، هو أبرز الأحداث خلال الشهر الفائت، فاختلف المحللون سواء منهم السوريون أو غيرهم، في تحليل أسباب هذا التطبيع وجدواه ونتائجه، فمنهم وهم الأكثر متفائلون نوعاً ما بهذا التطبيع، معتقدين أنه ليس مجانياً، ونتائجه الإيجابية سنلمسها قريباً عندما نرى النظام يرضخ للشروط العربية، وهي تطبيق القرار الأممي 2254 القاضي بحل سياسي يفضي إلى خروج رأس النظام بشار الأسد من السلطة وتشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، لتنطلق بعدها خطوات الحل تباعاً بإعادة الإعمار وعودة المهجرين إلى مدنهم وقراهم. 

وجلّ ما توصّل إليه أصحاب هذا الرأي أنه من غير المعقول أن يكون هذا التطبيع مجانياً دون مقابل، وبالتالي راحوا يتصوّرون سيناريوهات لصيف ساخن، باعتبار أن النظام لن يلتزم بتنفيذ المطلوب منه، وسيراوغ، وعليه تأتي الخطة البديلة وهي فرض الحل بالقوة.

ولعلي لا أجانب الصواب إن وصفتهم بأصحاب الخيال الواسع، ذلك أنّ سبب انتصارهم لهذا الرأي عائد إلى عدم استيعابهم أن السعودية دولة مثل كل الدول تبحث عن مصالحها، ويمكنها في سبيل ذلك أن ترمي بمصالح الآخرين عرض الحائط عندما تتعارض مع مصالحها الوطنية وأمنها القومي، وإن قدّمت نفسها على الإعلام بعناوين براقة، حول قيادتها للمجتمع العربي السني خاصة، وأنها حاميتهم، وهي الجديرة بتحمّل مسؤولياتها في هذا الخصوص.

أما المتشائمون من المحللين، فهم أولئك الذين جزموا حسب تحليلهم للواقع العربي البائس، أن هذا التطبيع مجاني، وأنهم أي العرب في الخليج، لا يريدون سوى إيقاف تدفق الكبتاغون إلى دولهم، وأخذ تعهّد من إيران بعدم التدخّل في الشؤون الداخلية لهذه الدول، وهذا إن دلّ على شيءٍ، فإنه يدل على نجاح السياسة الإيرانية في تعاملها مع ملفات المنطقة، وبالمقابل فشل سياسات الدول العربية وعلى رأسها دول الخليج في ذلك، فدول الخليج لم تكن لتدعم الثورة السورية، لو أن نظام الأسد لبّى مطالبها في البداية وابتعد عن المحور الإيراني، لكنه أبى ذلك، فضغطت عليه بدعمها للثورة ليس حباً بالشعب السوري، وإنما لإبعاده عن هذا المحور، وعندما فشلت بعد أكثر من عقد على المأساة السورية، رضخت للأمر الواقع وقررت التصالح مع إيران، وما نظام الأسد سوى بوابة لدخول طهران والتصالح معها، وهذا ما كان.  

ولأننا نحن - السوريين – بالنظر إلى كمّ الخيبات التي مُنينا بها من القريب والبعيد، فإننا نظراً لذلك تجدنا ميّالين إلى التشاؤم أكثر بكثير من ميلنا إلى التفاؤل؛ لأننا لم نعد نقوى عليه، أو قل لم نعد نجرؤ عليه.

وبين هذا وذاك يقف السوريّ الآن بعد انطلاق قاطرة التطبيع العربي، متمنّياً في داخله ألا يكون هذا التطبيع مجانياً، وأن يعود عليه وعلى قضيّته بالفائدة، وفي الوقت نفسه يقوم بكبح جماح هذا التصوّر أو قل هذا الطموح الأمنية في قلبه، حتى لا يضيف إلى خيباته الكثيرة خيبة أخرى.

ولعلي لا أبتعد كثيراً عن الفريق الثاني الذي كسرته الخيبات، فأجد نفسي غير متفائل بحل لقضيتنا في المستقبل القريب، بل الأمر بعيد، وربما يصل إلى سنوات أخرى قد تصل إلى عقد آخر، نزداد فيه بؤساً فوق بؤسنا، وقهراً فوق قهرنا، وخيبات أخرى فوق ما سبق من خيبات، وبالتالي ونتيجة لهذا الاستقراء، فلا صيف ساخن ولا من يحزنون، ومن يحلمون بهذا هم أناس حالمون لا أكثر، وأرجو الله من كل قلبي أن يكونوا على صواب، وأكون على خطأ.

ولعلنا إذا حاولنا استنتاج الأسباب التي أوصلتنا إلى هذا الواقع الأليم، فسنجد أن أكثر الأسباب تأثيراً في هذا الواقع، هو رهن قرارنا السياسي والعسكري للخارج، فمن تصدّروا المشهد على المستويين السياسي والعسكري للثورة لم يكونوا على قدر المسؤولية الوطنية التاريخية التي تبنّوا حملها، وقدموا أنفسهم على أنهم الأكثر جدارة من غيرهم في تحمّل هذه المسؤولية، فكان أن خابوا وخاب مسعاهم عندما رهنوا القرار الوطني للثورة السورية للدول، إقليمية أو دولية، منتظرين أن تتحسّن عليهم هذه الدول في أن تأخذ بعين الاعتبار - وهي تسعى وراء مصالحها- مصلحة الشعب السوري وقضيّته، ولو على الهامش، ولكن هيهات هيهات.
    

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات