شهادات حيّة و4 قرائن.. تحقيق خاص لأورينت يدحض مزاعم "البلوغ القسري لدرج" في مخيمات الشمال السوري

شهادات حيّة و4 قرائن.. تحقيق خاص لأورينت يدحض مزاعم "البلوغ القسري لدرج" في مخيمات الشمال السوري

أثار موقع "درج" الجدل بعد نشره نهاية الشهر الماضي، تحقيقاً استقصائياً تحت عنوان: “البلوغ القسري في مخيمات الشمال السوري.. أدوية هرمونيّة لتسريع الدورة الشهريّة وتزويج الفتيات"، وزعم أنَّ “البلوغ القسري” ظاهرة تحوي تفاصيل مُريعة، متهماً الآباء بإجبار بناتهم اللاتي لم يصلن سنّ البلوغ بعد، على تناول الأدوية الهرمونية إلى جانب تعرضهن للضرب على ظهورهن بهدف التسريع في البلوغ، ليتم بعدها تزويجهن قسراً، ما لاقى العديد من الردود المستهجنة والنافية لتلك المزاعم.

اعتمد التحقيق الاستقصائي في معلوماته (نقلاً عن موقع  Tiny Hand) على أسماء مستعارة لفتيات قيل إنهن تعرضن لتلك الحالة، ولشهادات قدمتها سيدات زعم التحقيق أنهن مختصات في مجال العنف الجنسي ضد المرأة أبرزهن شخصية "إنعام"، وعلى تقرير صادر عن الأمم المتحدة في حزيران من العام 2020، تحدث عن أنواع العنف الاجتماعي ضد النساء والفتيات من بينها "البلوغ القسري" الذي يتضمن حقن الفتيات الصغيرات بالهرمونات للحث على البلوغ لأغراض زواج الأطفال أو الاستغلال الجنسي، حسب الادعاء الأممي.

وما كانت "أورينت" ترغب التحقيق في هذا الملف غير أنَّ الصحفية صاحبة التحقيق وفي الموقع نفسه أيضاً سبق وأن أنجزت تحقيقاً قبل عام يسيء للنازحين السوريين وعاداتهم وأعرافهم وتقاليدهم ويتسبّب بضررهم، معتمداً ذات الأسلوب المفتقر لأدنى أدوات التحقيق الذي يعتمد على الوثائق والبيانات، وشهادات الشهود ومقاطعتها منطقياً وتوافقياً.

استغراب ونفي مطلق

يدّعي التقرير نقلاً عن شخصية "إنعام" أنَّ "البلوغ القسري" منتشر بشكل كبير في مخيمات الشمال السوري، وغالبية الحالات التي تابعتها السيدة كانت من مخيمي سلقين وأطمة، ومن بينها حالة لأختين، (14 و 12 عاماً) كانتا تتعرضان للضرب من والدهما على ظهريهما إلى جانب تناول الأدوية، إذ يُعتقد أن الضرب يعجّل من حدوث الطمث، حسب الادعاء.

في هذا الصدد، تواصلت "أورينت" مع عدد من نساء مخيمات كفرلوسين بريف إدلب الشمالي، ومنهن "دعاء منصور، مهدية الأحمد، أمل تركماني"، إذ أعربن جميعهن عن صدمتهن من خبر "البلوغ القسري"، وأكدن أنَّه لم يسمع به أحد من قبل، كذلك الأمر في مخيمات سجو بريف حلب الشمالي، كلّ من يسمع يُعرب عن تفاجئه من الموضوع. 

بدوره، الإعلامي محمود العلي أكد لـ"أورينت" عدم سماعه بهذا الأمر في مخيم زوغرة وما حولها بريف حلب الشرقي، مشيراً إلى أنَّ هكذا ظاهرة من المستحيل أن تحدث في المنطقة كـ"مجتمع إسلامي محافظ"، معتبراً أنَّ التقارير الواردة "إشاعات لتشويه سمعة المخيمات السورية". ما يدحض ادعاء التقرير بأنَّ "هناك صغيرات كثيرات يتناولن الحبوب للبلوغ القسري”.

4 قرائن تنسف ما ورد في التقرير

في السياق ذاته، إحدى العاملات في القطاع التعليمي بمخيمات أطمة بريف إدلب الشمالي، (فضّلت عدم ذكر اسمها بموجب قرار لحكومة الإنقاذ يمنع العاملين في القطاع بإدلاء تصاريح صحفية)، تؤكد لـ"أورينت" أنَّه في إطار هذا القطاع الذي يضمّ الجنسين ويعدّ الأكثر في المجتمع الذي من الممكن أن يتداول هكذا أخبار، لم يسمع أحد بحالة "بلوغ قسري" في المنطقة، وقدّمت مع عدد من سكان المخيم ومن خلال شهادات حصلت عليها "أورينت"  4 قرائن تنسف ما ورد في تقرير "درج" وهي:

  1. مزاعم إجبار الأب ابنته على تناول أدوية هرمونية أو ضربها كي يحدث الطمث، يستحيل أنَّه لتزويجها من أجل حصوله على المال، وذلك لأنَّ المهر في المنطقة لا يتجاوز الألف دولار، بل يدفع الأب من جيبه لإتمام جهاز ابنته في كثير من الأحيان.
  2. غياب ثقافة الأدوية الهرمونية عن المجتمع المحلي، وإن سألت أحدهم عن اسم أو فوائد أو مضار هذه الأدوية لن يعرف.
  3. شح توافر الأدوية الهرمونية في الصيدليات وحصرها بصيدليات معيّنة مع ارتفاع ثمنها.
  4.  حظر مديريات الصحة لبيع الأدوية الهرمونية إلا بموجب وصفة طبية.

استغلال بيانات لمديريات الصحة

فيما يخصّ ادعاء التقرير أنَّ قرارات مديريات الصحة في إدلب وحلب في أيلول عام 2020 حول منع بيع الأدوية الهرمونية، جاءت استجابة لتقرير أممي يتحدث عن "البلوغ القسري"، أكد مدير صحة إدلب السابق، الصيدلاني مصطفى العيدو الموقّع على ذلك القرار، لموقع "أورينت" أنَّ سبب صدور البيان حينها يعود إلى قرارات اعتيادية ليس لها أيّة علاقة بتقرير الأمم المتحدة، والتعميم كان مثله مثل أيّ تعميم يصدر لمنع صرف أو استخدام أدوية بشكل عشوائي.

وأوضح أنَّ 90% من الأدوية يحظر بيعها دون وصفة طبية، مستدركاً: "لكن نحن كنّا نركز على الأدوية الحساسة، مثل المسكنات المركزية والمسببة للإدمان والأدوية الهرمونية لما لها من آثار خطيرة على مستخدمها دون وصفة وسبب طبي".

وأفاد العيدو، بأنَّه وخلال عمله لفترة طويلة بمديرية الصحة (مدير مشاريع 4 سنوات، ومعاون مدير الصحة 3 سنوات، وآخر سنة 2021 كان مكلفاً كمدير صحة بعد استقالة المدير) لم يلاحظ أيّ استخدام للأدوية الهرمونية بغرض تسريع عملية البلوغ، معرباً عن تفاجئه من التقرير الذي استخدم تعميم مديرية الصحة كدليل على ذلك الادعاء، إضافة إلى استغرابه من ظاهرة لم يسمع بها من قبل. كما أبدى انزعاجه الشديد من تشويه ثقافة الشعب السوري المحافظ، رغم وقوع المنطقة في حالة حرب وفوضى.

بدوره، الصيدلاني أحمد المصطفى في مدينة إدلب، يذكر لـ"أورينت" أنَّ هناك تشديداً صارماً يحظر بيع الأدوية الهرمونية من قبل تاريخ التعميم عام 2020 لكن تم تبويبه في العام المذكور كقرار رسمي، ومنها أدوية بناء كمال الأجسام التي قد تُباع بطرق تهريب أو عبر وسطاء، مؤكداً أنَّه خلال عمله في بيع الأدوية أو توزيعها مجاناً على مدى الـ12 سنة الماضية "لم يصادف حالة بيع دواء هرموني من أجل تسريع البلوغ للطفلة".

5 أسباب تدحض الادعاء 

وفي هذه النقاط يُعدّد الصيدلاني المصطفى خمسة أسباب تدحض الادعاء بما يلي:
1.    سعر إبرة الهرمون بأنواعه "استرادايول، الاستروجين، تستوستيرون"، نحو 50 دولاراً ويحتاج العلاج قرابة العام بمعدل كل شهر إبرة، وهذا أمر من المستحيل أن يحتمله أب مدخوله بالكاد يسد رمق عيشه.
2.    الأدوية الهرمونية يكتبها أخصائيو الغدد، ونصف الحالات التي يوصف لها هكذا أدوية يكون الطفل معه قزامة وضعف نمو والكثير من العائلات تعجز عن علاج أطفالها، حتى يطلب عند شراء الوصفة من الصيدلي أن يبيعه ظرفاً واحداً من عدة أدوية كونه لا يحمل ثمنها.
3.    الأدوية الهرمونية غير منتشرة بكثرة، والصيدليات التي تبيعها معدودة، بالتالي موضوع بيعها مكشوف بالمجمل، ولا تباع إلا بوصفة لأخصائي.
4.    زواج القاصرات إن حصل فلا يكون عبر إعطاء أدوية، لكنَّه حسب عادات المجتمع القديمة أن يتم ربط بنت من أقارب الشاب للخطبة وهم في سن صغير ويتم الزواج بعد سن البلوغ.
5.    هناك منظمات بنسبة كبيرة تتخصص بالتوعية الإنجابية والزواج، ويجب ألا يتم الخلط بين أمر تلك الأدوية وأمر الزواج، إضافة إلى أنَّ هناك داعمين يطلبون هذا النوع من التخصص (المرأة)، فيتم افتتاح قسم في المنظمة خاص بها لكسب الدعم، وهناك منظمات متخصصة بشكل كامل بهذا المجال.
هذه الأسباب يؤكدها أيضاً لـ"أورينت" الصيدلاني، بكر القيم، الموجود في ريف إدلب، مشيراً إلى أنَّ قرارات مديرية الصحة كثيرة وتصدر بشكل شبه يومي، هدفها تفعيل دور الحكومة في تطبيق المخالفات، ومنها قرارات لا تتعلّق بالأدوية، بل بأثاث الصيدلية.

5 مغالطات وردت في تحقيق "درج"

المحامي عبد الناصر حوشان، عضو هيئة القانونين السوريين، فنّد في حديثه لـ"أورينت" عدداً من المغالطات التي وردت في تحقيق "درج" وأبرزها:
1.    الخلط بين أدوية علاج أمراض الغدة الدرقية التي تعطى للأطفال المصابين بالتقزم، وهي على ما يبدو أنَّ تناولها من قبل الأطفال الإناث يتسبّب بظهور علامات البلوغ لديهن، وهذا أمر طبيعي من الناحية الطبية والفيزيولوجية.
2.    العيّنات التي بُحثَت من قبل هديل العرجة هي من الشريحة العُمريّة ما بين “12-14” عاماً وهو السنّ الطبيعي للبلوغ، وبالتالي لا يمكن وصف أيّ عملية تنظيم للنمو في هذه الفترة بأنّها غير طبيعيّة من الناحيّة الطبيّة ما ينسف ادعاءها من جذوره.
3.    لا يوجد أصل لمصطلح “البلوغ القسري” في معاجم المصطلحات الطبية والقانونية، بل يُسمّى "البلوغ المبكر"، وهذا ما أكّده الدكتور حسن حميدي عميد كليّة الطب في جامعة الشمال بإدلب، كما إنّه لم تمرّ عليه أيّة حالة خلال عمله.
4.    لم تُفرِّق الباحثة بين الحالة والظاهرة، فالحالة عامة أو فردية هي عينة مُختارة من قبل الباحث عند قيامه ببحث تجريبي مرتبط بالطبيعة والمشاهدات، أما الظاهرة فهي مرتبطة بالطبيعة، وهذا هو الفرق الجوهري بينها وبين الحالة، لذا فإنّ إطلاق الحكم بأنّها "ظاهرة عامة منتشرة بكثرة" يتناقض مع أصول وقواعد البحث العلمي.
5.    ربط البلوغ المبكِّر بالعنف الجنسي والأسري، بالتالي بالاستغلال الجنسي وهي أخطر مغالطة وردت فيه، لأنّها بُنيت على اجتزاء من فقرة وردت في بيان صحفي لصندوق الأمم المتحدة للسكّان صادر في 2020، وكتبت السيناريو واستحضرت الضحايا والشهود دون تكليف نفسها مؤونة سؤال مراجع طبية.

في ذات السياق، يؤكد  الكاتب السوري المعارض أيمن عبد النور لـ"أورينت" أنَّ النقطة المهمة هي التقرير الأممي الرسمي، كأساس لتحقيق "درج"، والذي تم رفعه حينها إلى منظمة الصحة العالمية وبناءً عليه تم إيقاف توريد أدوية الأتروبين الهرمونية التي تعالج الأطفال المصابين بالقزامة، وتوفرها الأمم المتحدة في مناطق أسد وتركيا وأنحاء العالم مما حرم 1300 طفل من العلاج شمال سوريا، معتذراً من متابعيه عن نشره تقرير "درج" قبل أن يتأكد من عدم صحته.

يذكر أنَّ التحقيق المزعوم ليس الأول من نوعه لموقع "درج" (المدار من قبل ديانا مقلد وحازم الأمين)، أو لموقع "يد صغيرة/Tiny Hand" الذي تديره هديل العرجة وزوجها خليل العشاوي، فقد سبق أن نشرت  العرجة تحقيقاً تحت عنوان: "أطفال سوريون ضحايا انتهاكات جنسية.. وصمة العار القاتلة والقوانين الهشة"، يتحدث عن حوادث اغتصاب في مخيمات الشمال السوري.

وفي أيار من العام الماضي، أصدرت منظمة الرؤية العالمية “World vision” تقرير “الجنس مقابل البقاء” الذي نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، وقناة الحرّة الأمريكية، وبعض المواقع السورية، ما يهدف إلى وصم المناطق المحرّرة بالعار، خدمةً لأعدائه، ومن أجل كسب المال والشهرة على حساب إيقاع الضرر بسكان المنطقة.

اقرأ أيضاً: شهادات وبيانات.. مأساة النساء والأرامل بمخيمات الشمال وكشف مغالطات تقرير "الجنس مقابل المال"

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات