"سجن صيدنايا - الإضراب الكبير- رواية معتقل علوي".. 80 قتيلاً ووثيقة تاريخية للأجيال

"سجن صيدنايا - الإضراب الكبير- رواية معتقل علوي".. 80 قتيلاً ووثيقة تاريخية للأجيال

لا ريب أنّ المتابع لما يتم نشره من أعمال أدبية شعرية أو روائية أو مجموعات قصصية تخص المأساة السورية منذ اعتلاء حافظ أسد السلطة سنة سبعين من القرن الماضي، سيلاحظ أن ما اصطُلح عليه بـ "أدب السجون"، قد أخذ حيّزاً جيّداً في ساحة الأدب السوري المعاصر، حتى أصبحت هذه الأعمال بمثابة شاهد على عصر الأسد الأب والابن معاً، لما تنقله من أحداث حقيقية جرت في سجون ومعتقلات نظام الأسد.

في هذا السياق من المنشورات والأعمال الأدبية الخاصة بأدب السجون يطلع علينا الكاتب  والمعارض السوري فراس سعد، (المنحدر من الطائفة العلوية) والمعتقل لدى نظام الأسد في سجن صيدنايا لعدة سنوات لمعارضته لسياساته بكتابه (سجن صيدنايا – الإضراب الكبير – رواية معتقل علوي)، والصادر عن دار موزاييك عام 2023م.

لا ينتمي الكتاب إلى فن الرواية بالمعنى الحرفي كون الكاتب لم يراعِ في سرده للأحداث الأسلوب الروائي القائم على قصة حدث تحمل فكرة ما تقوم شخصيات رئيسية وأخرى ثانوية بإدارة هذا الحدث أو الأحداث، لتصل إلى حل العقدة عند الوصول إلى ذروة العمل الروائي، متضمنة التشويق للوصول إلى الحل ونهاية الرواية.

ولعلّ الكاتب فراس سعد لم يكن يُعنى بالجانب الفني، فيجعل الكتاب عملاً أدبياً ينتمي إلى فن الرواية، بل يبدو أنه أراد في كتابه أن يكون شاهداً حيّاً على أحداث حقيقية عاينها في سجن صيدنايا بنفسه في فترة سجنه، فهو أي الكتاب أقرب ما يكون إلى تدوين ذكريات منه إلى عمل أدبي له أسسه وأركانه.

لكن هذا لا يعني أن الكتاب لم يحتوِ على بعض النفحات الوجدانية هنا وهناك حاول الكاتب فيها أن يعكس ذلك الصفاء الروحي، وهو يعاني ظلمات المعتقل خلف جدرانه التي لا تقل قساوة عن ملامح السجّان:     

"السجن هو المسافة التي يقطعها أحدنا ما بين القبر والموت، المسافة التي لا تنتهي، فرغم أن الأيام تمرّ سريعاً لكن كل يوم بين جدرانه يساوي عاماً، وكل ساعة تساوي دهراً... لا تتعبوا أنفسكم فلن يدرك معنى هذا الكلام إلا من جرّبه."

لذلك يحاول الكاتب فراس سعد أن يضع القارئ في جوّ المعتقل حتى يصل إلى درجة الشعور بشعوره والإحساس بعذاباته وآلامه:

"لأجل ذلك لدى كل سجين رغبتان أساسيتان بالضرورة: رغبة الفرار ورغبة الموت، وحين يتأخر الموت أو يمتنع يصبح الفرار هو الرغبة الوحيدة التي تأكلنا، يصبح الفرار مرادفاً للخلاص أو الفرج."    

ولعلّ أهميّة هذا الكتاب تكمن في كونه من تأليف كاتب ومعتقل علوي معارض عانى ما عاناه المعتقلون والمغيّبون في سجون الأسد، فهو أي هذا الكتاب شهادة تاريخية ينطبق عليها مقولة "وشهد شاهدٌ من أهلها"، فقد حرص الكاتب فراس سعد على نقل مشاهداته ومعايناته لما جرى في معتقل صيدنايا خلال فترة اعتقاله، حيث كان مدير السجن العقيد علي خير بك هو سبب هذه الاستعصاءات والفوضى التي عمت السجن بسبب ممارساته وضغوطه على السجناء وخاصة الإسلاميين، فقد سرد الكاتب أسباب وأحداث الاستعصاءات الثلاثة على مدى تسعة أشهر ونتائجها التي انتهت بعشرات القتلى على رأسهم المهندس نزار رستناوي الذي تم قتله من قبل الإسلاميين المتشددين بتحريض من العقيد علي خير بك لما كان لشهادته أمام اللجنة العسكرية القادمة من القصر الجمهوري من أثر على العقيد حيث تم توبيخه أكثر من مرة وإخراجه خارج غرفة التحقيق مما أوغر صدره على نزار فحرض على قتله بعد ذلك عبر نشر وشاية بين الإسلاميين تقول إن نزاراً عميل للعقيد وينقل له أخبارهم،.

80 قتيلاً

 ولم يكن نزار وحده بل كان واحداً من ثمانين قتيلاً أسماؤهم موثّقة من مجموع المعتقلين في السجن، والذين يبلغ عددهم (1425) معتقلاً أغلبهم من التيارات الإسلامية والمجاهدين الذين سهّل النظام دخولهم إلى العراق لمقاومة الأمريكان، وعندما عادوا قام بزجّهم في سجونه، وباعتبار أنّ أغلب المعتقلين من الإسلاميين، فمن الطبيعي أن تكون قيادة الاستعصاءات منهم، وقد وردت بعض الأسماء التي ألِفَ سماعها السوريون بعد ذلك لما كان لها من دور في الثورة السورية من حيث أسلمتها وتغيير اتجاه بوصلتها من ثورة ضد الظلم والاستبداد والدعوة إلى بناء دولة قائمة على العدالة والمساواة وتداول السلطة عبر صناديق الاقتراع، إلى ثورة طابعها إسلامي بحت يدعو إلى تحكيم الشريعة الإسلامية عبر فهم عقيم لهذه الشريعة السمحة مما أرعب الغرب والشرق منها، وكان ذلك سبباً في التوجّس منها والتوقّف عن دعمها، الأمر الذي عزز موقف النظام أمام العالم، وكان دعماً لادعائه الكاذب أنه يحارب الإرهاب.

ولعله لا يغيب عن ذهن المتابع للأحداث منذ 2011، أنّ إخراج هؤلاء المتشددين من السجون في هذا الظرف الذي يعيشه البلد عبر مراسيم عفوٍ متتابعة، لم يكن سوى خطوة خبيثة قام بها النظام ليخلط الحابل بالنابل، فهو يعرف تمام المعرفة أنّ هؤلاء سينخرطون في صفوف الثورة وسيعملون على تنفيذ مشروعهم عبر هذا الانخراط، ومن المؤكد أنّه زرع بينهم من ضبّاطه عملاء له داخل السجن، حتى إذا ما تم الإفراج عنهم خرجوا معهم، فكانوا أداة النظام في تجيير أفعال هذه التنظيمات لتكون لصالحه، وبالتالي توصم الثورة بالإرهاب وتصدق مقولته التي ثابر على تكريسها منذ البداية، وهذا ما كان. 

ولم يكتف الكاتب فراس سعد بإيراد شهادته فقط، بل أورد شهادات سجناء آخرين التقط مذكراتهم عن تلك الأيام من خلال صفحاتهم على الفيس بوك، فأوردها كما هي ونسبها إلى أصحابها. 

وأخيراً يمكننا القول إنّ أهميّة كتاب (سجن صيدنايا – الإضراب الكبير – رواية معتقل علوي) تكمن أولاً في كونه شهادة تاريخية للأجيال الحالية والقادمة عمّا حصل في هذا السجن من انتهاكات قبل أن يتحوّل إبان الثورة السورية بعد سنة 2011، إلى مسلخ بشري، الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود، وثانياً كون كاتبه ينتمي إلى الطائفة العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد الحاكمة، وبالتالي يعطينا ذلك مؤشراً على أنّ الثورة السورية ضمّت كل فئات الشعب السوري ضد هذا النظام، وإن بنسب متفاوته حسب حجم تلك الفئة، فشكّل السنة العرب فيها الأغلبية كونهم أكثرية في النسيج السوري، أما الصورة العامة، فالثورة السورية كانت ثورة من أجل كل السوريين، والذين فجّروها وأشعلوا شعلتها فيهم من كل أطياف هذا الشعب العظيم الذي ثار ضد أعتى نظام عرفه التاريخ البشري. 

التعليقات (3)

    معارض سني

    ·منذ 10 أشهر 4 أسابيع
    قلتلي معارض علوي

    سمر

    ·منذ 10 أشهر 3 أسابيع
    كتاب قوي

    عمران

    ·منذ 10 أشهر أسبوعين
    كيف يمكن قراءة الكتاب
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات