تتذرع الدول العربية المطبّعة مع نظام أسد بأن عزلته واستمرارها زادت نفوذ طهران في سوريا، ليبدو أن الانفتاح عليه محاولة لاحتواء إيران، لكن التطبيع غير المشروط، يؤشر إلى أن المطبعين تجاوزوا بحث هذه المسألة.
ومع مضي الدول العربية في خيار التطبيع مع بشار الأسد إمبراطور المخدرات بالمنطقة وإعادته إلى جامعة الدول العربية، تُثار تساؤلات بشأن الكيفية التي ستتعامل بها الدول المطبعة مع النفوذ الإيراني المتوطد في سوريا، وحول ما إن كانت الدول قد تجاوزت تماماً هذه المسألة بعد إدراكها باستحالة الفصل بين نظام أسد وإيران.
ومن الأساس يرى المعارض والكاتب السوري بسام يوسف، أن الدول العربية ليست صاحبة قرار الوجود الإيراني في سوريا، وإنما بيد قوى دولية وإقليمية بعضها يرفضه مثل أمريكا وتركيا وإسرائيل وأوروبا، وبعضها لا يعارضه ويرى فيه فرصة للمساومة مثل روسيا.
خطأ إستراتيجي قاتل
ومع ذلك، يصف يوسف في حديثه لـ"أورينت نت" التغاضي العربي عن الوجود الإيراني في سوريا، والتطبيع بدون بحث سبل الحد منه، بـ"الخطأ الاستراتيجي القاتل"، معتبراً أن "على العرب استغلال وجود جبهة واسعة رافضة للوجود الإيراني في سوريا، للشروع في هذا التوجه".
ويوضح الكاتب أن السكوت عن "الأمر الواقع" الذي فرضته إيران في سوريا، يهدد إستراتيجياً كل الوجود العربي، وخاصة أن الوجود الإيراني في سوريا لا زال يرتبط ببقاء عائلة الأسد في السلطة، وبالتالي التأخر بإخراج إيران زاد صعوبة إخراجها، نظراً لأن إيران في كل يوم تتغلغل أكثر في كل مفاصل الدولة السورية العسكرية والاقتصادية، ما يجعل من هذا الوجود "حقيقة مؤلمة".
ولا يختلف ما يجري من انفتاح على نظام أسد عما قامت به الدول العربية في العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين، فهناك رضخت المنظومة العربية للواقع الذي فرضته إيران.
وفي هذا الاتجاه يؤكد أمين عام "التجمع العراقي الرافض للتوسع الإيراني" الدكتور عبد الرزاق الشمري، لـ"أورينت نت" أن السلوك العربي في سوريا يشبه الرضوخ والاستسلام لإيران، كما حصل تماماً في العراق ولبنان واليمن بدرجة ما.
ويقول: "ربما تضطر إيران إلى تخفيف مظاهر نفوذها في الوقت الراهن، لتخفيف الضغط عليها، لكنها حكماً باتت مطبقة تماماً على سوريا".
تسليم عربي بالوصاية الإيرانية
ويمكن اعتبار التطبيع، من وجهة نظر الكاتب والمحلل السياسي حسن النيفي، على أنه ثمرة من ثمار البلطجة الإيرانية حيال الدول العربية وفي مقدمتها دول الخليج.
ويضيف لـ"أورينت نت" أنه "بات واضحاً زيفَ كل ما كان يقال في الإعلام العربي عن اشتراط الدول العربية على نظام أسد ابتعاده عن إيران لإعادته إلى الصف العربي، كما بات واضحاً أن عودة العرب إلى الأسد إنما كانت رضوخاً واستجابة لمطلب إيران مقابل كبحها للخطر الحوثي على السعودية، ولعل زيارة إبراهيم رئيسي الأخيرة إلى دمشق تحمل في مضامينها ملامح العلاقة المقبلة بين الدول العربية والنظام"، وعن هذه الملامح، يقول النيفي "إيران ليست داعماً لنظام الأسد وعاصماً له من السقوط فحسب، بل هي من تهندس علاقاته وتتحكم بتوجيهها مع المحيط العربي والإقليمي أيضاً، وبناء عليه فلا يمكن الحديث بعد الآن عن مسعى عربي لاحتواء الأسد وإبعاده عن إيران، بل يمكن التأكيد على تسليم كامل من جانب العرب بالوصاية الإيرانية على نظام أسد".
تأجيل بحث النفوذ الإيراني
في المقابل، تبرز مؤشرات على عدم قبول الدول العربية بنفوذ إيران في سوريا، منها حديث وزير الخارجية المصري سامح شكري قبل أيام عن أن إعادة نظام أسد للجامعة العربية لا تعني التطبيع الدبلوماسي الكامل معه، وكذلك الحديث عن "عودة مشروطة" للنظام.
ويقول المحلل السياسي الأردني المختص بالشأن السوري صلاح ملكاوي يقول لـ"أورينت نت"، إن وجود إيران داخل سوريا بالاتفاق مع نظام لا زال يحظى بـ"الشرعية الدولية"، يُحتم تأجيل بحث هذا الملف لصالح ملفات "أكثر أهمية" للعرب، مثل المساعدات والمشاريع الإنسانية.
ويؤكد أن أولوية العرب في سوريا هي الشق الإنساني، إلى جانب ملف المخدرات (الكبتاغون)، مع تنحية الملف الإيراني جانباً، مضيفاً: "لكن في ظل وجود عقوبات أمريكية وغربية، والأنباء عن مشروع قانون أمريكي يمنع واشنطن من التطبيع مع النظام، نجد أن هناك احتمالية لأن تصبح كل الاتفاقيات التي وقعها النظام وإيران بدون قيمة، وبالتالي لن تستطيع إيران تثبيت نفوذها في سوريا، بعد أن ثبتت النظام".
من جانب آخر، يرى ملكاوي أن تخاذل المعارضة السورية وتبعيتها لتركيا، ألزمت النظام العربي الرسمي على التعامل مع سلطات "الأمر الواقع" في دمشق، حيث أدى ذلك إلى تسليم العرب بأن النظام باق.
التعليقات (2)