تستمر ردود الفعل المتباينة حول المسلسلات الرمضانية في هذا الشهر المبارك، خاصة الدراما السوريّة، التي عادت إلى السباق الرمضاني وتصدرت المشهد الدرامي العربي عبر أكثر من 15 عملاً ما بين اجتماعي وسياسي وبيئة شاميّة، بعد سلسلة من الأزمات المتلاحقة ولجوء النجوم إلى الأعمال العربية المشتركة. ويُحاول نظام أسد عبر ماكينته الفنية تصوير الثورة السورية بأبشع صورة والانتقام من المهجّرين واللاجئين.
دراما البيئة الشامية
تطغى مشاهد العنف وأقلّها ضرب الكف الذي لا بدّ منه في مثل هذه المسلسلات "الشامية"، خاصة العنف ضد المرأة وربطها بـ"العار"، لتتكرر على مسامعك نعت "عايبة"، في معظم المسلسلات الشامية إن لم تكن بمُجملها، لا سيّما التأكد من عذرية فتاة عبر فحصها من داية الحارة، فيما يُمثّل إهانة متعمّدة للنساء، مثلما يظهر في مسلسل "العربجي" الذي أراد كاتبه تغيير نمطية الداية المسنّة فاختارها شابةً لعوباً وقحة بكلامها، وتشهد الزور مقابل المال. (دور ديمة قندلفت الذي يشبه شخصيتها في ستيلتو).
ويُركّز مسلسل "العربجي" للكاتبين عثمان جحا ومؤيد النابلسي والمخرج سيف الدين السبيعي، على موضوع "العار" وجرائم القتل، فمنذ الحلقة الأولى المشاهد دموية بمقتل أحد رجال "سلوم حداد" (أبو حمزة) فيقتل زوجة "باسم ياخور" (العربجي) ويُخفي جثتها ليتهمها بأنَّها هربت مع عشيقها بالتالي يصبغه صبغة "العايبة"، ولم يكتف (أبو حمزة) بذلك، ليتكرّر في الحلقة الثالثة المشهد باتهام ابنته بارتكاب الفاحشة في سبيل إذلال أبيها بطريقة شنيعة.
وكأنَّ المجتمع السوري في القرن الماضي جاهل لا يضبطه قانون، كما يريده الكُتّاب، فهم يكتبون عمّا يُعرف بـ "البيئة الشامية" التي يجهلونها ويُكرّرون الأنماط ذاتها كالببغاوات منذ سنوات، وعن هذا كتب، الناقد محمد منصور، في صفحته على فيسبوك: "لن تجدوا في حياتكم أغبى ولا أتفه من كتّاب مسلسلات البيئة الشامية الذين تكاثروا كالفطر السام في العشرين عاماً الأخيرة، ومعظمهم ليسوا من أبناء دمشق ولم يعيشوا في بيئتها الشعبية التي يصورونها، فهم يكتبون عن بيئة لا يدركون أبعادها ولا يعرفون تقاليدها التي كانت ترقى إلى مستوى القوانين الاجتماعية الصارمة".
وفي ذات السياق، نُشاهد في الحلقة السادسة من مسلسل "مربى العز" الذي كتبه علي الصالح، وأخرجته رشا شربتجي، أباً وأخاً يقتلان فتاة تزوجت ابن خالتها دون موافقتهما فبعد ضربها رماها أخوها من شرفة المنزل الدمشقي وضُرّجت بدمائها بتهمة "عايبة"، ليُقال له "ضحيت ابنتك في عيد الأضحى"، وفي المشهد الذي يليه يضرب أطفال الحارة بالحجارة طفلان أحدهما يحمل رضيعاً (3 أطفال مخطوفين يدور المسلسل حولهم) لطردهم من الحارة فيتخضّب طفل بالدم، ثم يتعرّض لتعنيف من الخاطف (خالد القيش بدور جمّول) الذي يُقتل أيضاً، فتجد المشاهد دموية بامتياز.
كذلك الأمر في مسلسل "زقاق الجن" الذي يتحدّث عن جرائم في حارة دمشقية يظن أهلها أنَّ الجن هم المسؤولون عنها قبل اكتشافهم حقيقة القاتل، فمن خلال "برومو" المسلسل نشاهد كيف يُريد "أيمن زيدان" غسل عار ابنته بالدم، ويتخلّل المسلسل الكثير من مشاهد التعنيف عبر الضرب والسحل والإذلال. واللافت في هذا المسلسل أنَّه مأخوذ من المسلسل التركي "بوزكر" حسبما اتهمت الشاعرة السورية نوال الحوار، لكاتب العمل محمد العاص بـ "لطشه".
وفي مسلسل "حارة القبة" بجزئه الثالث، نشاهد العنف منذ الحلقة الأولى عبر جريمة قتل شاب خنقاً، في المكان ذاته الذي قُتل فيه أخوه في الجزء السابق، وفي الحلقة التالية المجرم (فراس إبراهيم) يُعنّف امرأة خرساء (أمل عرفة) حتى تتضرّج بالدماء، محاولاً أن يرغمها على إرشاده إلى مكان جرة ذهب مخبأة منذ سنوات، دون أن تعرف من هي، لتكتشف في الحلقة السابعة أنّها زوجته وعمّة الشاب المقتول، وتتكرّر مشاهد العنف في مجمل الحلقات.
أما مسلسل "باب الحارة" الذي يعرض في الجزء 13 فهو يعتبر من أسوأ سلسلة الأجزاء، خاصة استبدال نجوم بممثلين جدد على الشخصية المعتادة. حيث انتقد اليوتيوبر جهاد سقا عبر نشره فيديو أسقط عليه حال المسلسل وقال: "يعني باب الحارة ليش ما حدا عم يحكي عنو؟".
بينما في الدراما الاجتماعية يعود مسلسل "صبايا" بجزئه السادس بعد مرور عشر سنوات!. ومسلسل "مقابلة مع السيد آدم 2" من بطولة غسان مسعود، ومسلسل "للموت 3" المشترك مع الدراما اللبنانية. في حين تعود الفنتازيا التاريخية لكن بلغة فصحى ركيكة في "فرسان الظلام ذئاب الليل".
وفي سياق الدراما المشتركة، أثار مسلسل "النار بالنار" الجدل بقول "كاريس بشار": إنَّ "زوجها معتقل عند العمشات أو الحمزات"، وهما فصيلان تابعان للجيش الوطني السوري شمال سوريا، ويعرض المسلسل شخصية "كاريس/ مريم" على أنّها محجبة غير أنيقة، شرسة لا تفقه التعامل مع الآخرين في نمطية المحجبة السيئة، فضلاً عن تشويه اللاجئين السوريين واتهامهم بالكذب في التقديم للمفوضية الأممية بطلب اللجوء إلى أوروبا، ففي مشهد المقابلة ينفي الموظف الأممي لها تعرّض الحي الذي كانت تقطنه للقصف، إضافة إلى خلعها للحجاب من أجل السفر.
وعن هذا يقول الناقد محمد منصور: "لم يكن ينقصنا إلا المسلسلات اللبنانية السورية المشتركة لتدخل على الخط وتشبح علينا، وتخترع الأكاذيب حول الثورة وتسعى لتلميع نظام بشار الكيماوي. مسلسل (النار بالنار) تأليف السوري رامي كوسا، وإخراج السوري/ الكردي محمد عبد العزيز، وهو يتناول النزوح السوري إلى لبنان، من خلال نماذج طفيلية كريهة يجسدها (عمران/ عابد فهد) المرابي الجشع، الذي يبسط سلطته على أحد أحياء بيروت الفقيرة، وينهك أهل الحي كله بديون الربا".
كما يُجسّد "قصي خولي" شخصية مشكلجي دخل السجون اللبنانية أكثر من مرة في مسلسل "وأخيراً" مع "نادين نجيم"، تكراراً للثنائية في مسلسل "2020"، تأكيداً على مزاعم أنَّ السوري خارج القانون اللبناني.
ويقول الناقد والصحافي السينمائي اللبناني خليل حنون: إنَّ مسلسل "وأخيراً" يشبه قضية حصلت في منطقة جونية لبنان عام ٢٠١٦، حيث كُشِفَتْ شبكة كانت تخطف النساء وتجبرهن على ممارسة الدعارة، ووقع ضحيتها حوالي سبعين امرأة وصبية معظمهن من السوريات، يومها قيل إن أجهزة أمنية كانت متورطة بها، ووصل الأمر إلى حد اتهام وزير الداخلية نهاد المشنوق.
ابتسم أيها الجنرال والزند
وتتجلّى المنافسة السياسية في مسلسلين متناقضين، "ابتسم أيّها الجنرال" الذي يُحاكي عائلة حافظ أسد الحاكمة، وهو من إنتاج المعارضة السورية ويُعد نقلة نوعية في تغيير النمطية المعتادة للدراما، و"الزند ذئب العاصي" الذي يؤديه بلهجته العلوية التي ينتمي إليها "تيم حسن" في شخصية تُشابه دوره في سلسلة "الهيبة" وتكرار لفظ "الذي" على غرار لفظ "منتهية"، وهو يعد أول عمل لتيم حسن منذ 12 سنة يمثله في سوريا.
ويتخلل المسلسل الذي يُجسد مظلومية الطائفة العلوية من قبل العثمانيين ويدّعي بطولاتهم وينتقص من الطائفة السنيّة، وتعتريه الكثير من الأخطاء لعلّ أبرزها اللهجة المحكاة فنجد كلّ ممثل وممثلة يخترع لهجة مغايرة للهجة الأساسية على عكس مسلسل "لعنة الطين، عام 2010" الذي كانت اللهجة فيه متقنة حتى من الأطفال، إضافة إلى استخدام البطل "حسن" ألفاظ نابية مثل: "يا ابن المفرشخة لأفلح على أمك يا ابن المفقوعة".
وهو من تأليف عمر أبو سعدة وإخراج سامر البرقاوي، ويقول خليل حنون: أما بالنسبة للأخطاء التاريخية فبدأت تتوالى. فالأحداث يفترض أنها تدور في سبعينيات القرن التاسع عشر (بحسب كلام المخرج) ويومها لم يكن هناك أي معرفة بالفيلسوف الألماني نيتشة فكيف تشدّق بذكره الزند؟ ويومها لم تكن الهجرة السورية لأمريكا قد بدأت وانتشرت حتى يقرر ابن (فايز قزق) قتل الزند للحصول على المكافأة والسفر ولقاء حبيبته "ريما" في أمريكا. ثم اسم "ريما" لم يكن معروفاً وموجوداً في ذلك الزمن، وخاصة بين أهل القرى، اسم ريما ظهر وانتشر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.
وانقسمت الآراء على مسلسل "ابتسم أيها الجنرال" الذي لاقى الردود الأكثر من بين المسلسلات السورية، حيث يرى قسم أنَّه يُبرّئ بشار الأسد الذي يُجسده الممثل مكسيم خليل بدور فرات، مثلما يقول المحامي زيد العظم عبر منشوراته في فيسبوك. بينما القسم الآخر، يرى أنَّه خطوة مهمة في الدراما السورية وضربة كبيرة لعائلة الأسد، مثلما يقول الصحفي عدنان عبد الرزاق.
كذلك شارك نجلا رفعت الأسد بالتعليق على المسلسل حيث توالت منشورات "دريد" الساخرة من المسلسل بقوله: "نحضر مسلسل واحداً عنوان ابتسم أيها البشار"، فيما أثنى فراس رفعت الأسد (المعارض) على المسلسل بوصفه: "محاولة شجاعة في الاتجاه الصحيح"، واعتذر من السوريين لأنَّه لم يقدم ملاحظات موضوعية للكاتب سامر رضوان حينما طلب منه الأخير التعاون لسبك المسلسل الدرامي "ابتسم أيها الجنرال".
التعليقات (2)