عملياً.. هل يمكن تعويم نظام أسد بعد كل ما فعل؟!

عملياً.. هل يمكن تعويم نظام أسد بعد كل ما فعل؟!

لعلّ المتابع للأحداث التي اجتاحت الأرض والدولة السورية منذ انطلاقة الثورة السورية العظيمة عام 2011م يدرك حجم المؤامرة التي حيكت على هذا الشعب المكلوم، فمنذ البداية البريئة لهذه الثورة عمل المستثمرون الإقليميون والدوليون على الاستثمار فيها كلٌّ حسب مصالحه وأهدافه، لكنهم جميعاً كانوا متفقين على عدم السماح بسقوط النظام، وما يُطلق من بعضهم من تصريحات نارية هنا وهناك ما هي إلا لذرّ الرماد في العيون، وهي تصريحات أثبتت الأيام والمحن العديدة التي عاناها السوريون، أنها لا تُسمن ولا تغني من جوع.

ولعلنا من وراء ذلك ندرك حجم وقذارة المستنقع الذي أراد هؤلاء وعلى رأسهم أمريكا هندسته على الأرض السورية، وجعل الشعب السوري ضحيّته التي لا بواكي عليها.

ولعلّ انقسام اللاعبين على الأرض السورية بين فريقين إقليمي ودولي، واختلاف أهدافهم محصّلة لذلك، يجعل المتابع يدرك، بل ويرى بالعين المجرّدة، أيّهم نفسه طويل وقادر على اللعب إلى أطول مدة ممكنة، فاللاعبون الإقليميون عموماً وهم إيران التي هي في صف النظام، وتركيا أولاً ثم الخليج العربي ثانياً الذين هم في صف الثورة والمعارضة، هؤلاء جميعاً نفَسُهم قصير، وإن تفاوت هذا القصر بين طرف وآخر منهم، فالكل ينظر إلى أمريكا وما تريد، فتصرفاتهم وتصريحاتهم ووعودهم لأتباعهم والمرتبطين بهم، متماهية تماماً مع ما يستنبطونه من الموقف الأمريكي، فعندما كان سقف التصريحات الأمريكية عالياً، كانت تصريحات هؤلاء عالية، وعندما تخفت، تجد أن تصريحاتهم أيضاً تخفت، فلا تكاد تسمعها.

ولعلنا إذا راجعنا الأحداث والتطورات منذ عام 2011م عام الثورة، فسندرك أن اللاعب الأكبر على الأرض السورية وهو أمريكا، لم يكن يريد الحل، ولم يكن يسعى إلى حسم الأمر لأحد الطرفين ثورةً ونظاماً، بل كان كل ما يريده إدارة الصراع وإطالة أمد المحنة، ليصل الشعب السوري إلى هذه الحالة من التشرذم والانقسام، ولتصل الدولة السورية ككيان إلى حافة الهاوية، فتكون أطلال دولة لا أكثر، وكل ذلك ليسهل عليه السيطرة على جميع الأطراف، والإمساك بخيوط اللعبة وتحريكها حسب إرادته ومصالحه، يساعده على ذلك أنه بعيد عن المستنقع غير متأثر به مثل غيره من اللاعبين الإقليميين وحتى الدوليين مثل روسيا.

فمنذ البداية سمحت أمريكا لإيران بالدخول بأذرعها لمساندة النظام، وعندما فشلت في أواخر عام 2015م، واقترب النظام من السقوط، سمحت لروسيا بالتدخّل لمنع سقوطه، وقد كان ذلك، وتصريح لافروف وزير خارجية روسيا ما زال يرنّ في آذاننا عندما قال: لو لم نتدخل لسقط النظام خلال أسبوعين، وبالمقابل فإنها أي أمريكا منعت السلاح النوعي عن الثوار، فكان سلاحهم لكيلا يموتوا وتنتهي اللعبة، وعندما كانت تجد أن النظام تقدم في نقطة ما كانت تعطي الثوار سلاحاً نوعيّاً لردعه، وليس للقضاء عليه، ومثال ذلك صواريخ التاو المضادة للدبابات.

وقد أعلنت فيتو واضحاً ضد تسليح الثوار بمضاد طيران، وقد كان يمكن في البداية لخمسين صاروخ استنگر مضاد للطيران تعهّدت دول الخليج بتقديمها أن تحسم الأمر، ولكن الرفض الأمريكي حال دون ذلك، أضف إلى كل ذلك عدم السماح بتوحيد الجيش الحر وجعل قيادته مركزية، وذلك بتوحيد مصدر الدعم والسيطرة، فبقيت الفصائل متصارعة، كل فصيل تدعمه دولة.

كل هذه العوامل والأحداث التي مر ذكرها آنفاً تثبت أنّ ما حصل كان مخططاً وخلفه إرادة دولية دعمت وسعت بكل قوتها للوصول إلى النقطة التي وصلنا إليها.

واليوم وبعد أكثر من عقد على هذه المحنة والمأساة، وبعد الزلزال المدمّر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال غرب سورية، وصل اللاعبون الإقليميون الداعمون للثورة تركيا والخليج إلى آخر النفس الذي يملكونه، ولم يعد عندهم قدرة على المتابعة، وبالنظر إلى أن أمريكا لا تريد الحل وغير مبالية، والملف السوري ملف ثانوي بالنسبة إليها، وهم متضررون من هذا الملف ويريدون إغلاقه كيفما اتفق، وجد هؤلاء حسب اجتهادهم أن الحل هو العودة إلى نظام الأسد وتعويمه بإعادة تأهيله وإعادته إلى الواجهة كنظام يمثل الدولة السورية غاضين الطرف عن كل ما ارتكبه من جرائم بحق السوريين، لكنها السياسة، والسياسة "بنت كلب".

من هنا يمكن لنا أن نفهم التقارب التركي مع النظام خلال الفترة الماضية، ومن هنا أيضاً يمكن أن نفهم التصريحات السعودية الأخيرة، وما تلاها من زيارة للأسد إلى سلطنة عمان والإمارات، أضف إلى ذلك الاتفاق السعودي الإيراني وما تلاه من إعلان فتح قناة تواصل مع نظام الأسد عبر فتح السفارتين في البلدين، والنية بدعوته لحضور القمة العربية، كل ذلك يشير إلى أن هؤلاء قد انقطع نفسهم ولم يعودوا يستطيعون مجاراة اللامبالاة الأمريكية، ويريدون الخروج من هذا المأزق بأي شكل، حتى ولو كان على حساب الضحية، فالمهم عندهم خروج إيران من سورية، وإعادة سورية إلى الصف العربي حتى لو كان ذلك بقيادة بشار الأسد في البداية إلى حين الدخول في عملية سياسية يُشركون فيها المعارضة.

ولعل المشكلة البارزة عند هؤلاء اللاعبين هي أنهم لا يدركون بنية النظام وآلية تفكيره، أو هم يدركونها ويغضون الطرف عن ذلك، فالنظام في بنيته هذه لا يمكن أن يتخلى عن إيران حتى لو أراد ذلك، فهي لن تخرج إلا بالقوة، وليس بقرار من بشار الأسد الذي لا يستطيع اتخاذ قرار قد يكلفه حياته، أضف إلى ذلك أن النظام بعد كل ما حصل، وبعد كل ما فعل، وبعد كل هذا الخراب يعدّ نفسه منتصراً، وما يريده من العرب خصوصاً ومن غيرهم عموماً أن يعترفوا بخطئهم في دعمهم لمن خرج عليه (الإرهابيين بنظره)، وعليهم الاعتذار منه ودعمه لإعادة بناء ما دمّره هو بطيرانه وصواريخه، مغتنماً حادثة الزلزال والدعم الإنساني الذي تلا حدوثه بوابةً إلى ذلك.

ومن هذا المنطلق يمكننا الجزم بموت هذه المبادرة حتى قبل ولادتها، وما يسعى إليه العرب لتعويمه ليس إلا محاولة بائسة ويائسة لن تثمر عن شيء مفيد لا لهم ولا للسوريين المنكوبين؛ لأن هذا النظام صُمّم منذ تأسيسه على يد الأسد الأب على أن يبقى وحده في سدة الحكم لا يقبل شريكاً، والطريقة الوحيدة التي يمكن أن تزيله هي القوة، وهو يستمد قوته مما يراه من تعامل دولي معه ومع القضية السورية، فيكفي ما تصرح به أمريكا، وهي أنها لا تريد إسقاط النظام، بل تريد تغيير سلوكه، أن يجعله أي النظام في وضع مريح، فيضع يديه ورجليه في ماء بارد، ما دام الموضوع لا يتعدى تغيير السلوك لا أكثر، وحتى هذه أشك أن النظام قادر عليها؛ لأن بنيته تأبى ذلك.

التعليقات (2)

    رضى إسرائيل

    ·منذ سنة شهر
    هو الأساس منذ مباركة اولبرايت لإنتقال الحكم الملكي الوراثي... و منذ تصميم نظام حافظ حدود إسرائيل...الأب

    Omar

    ·منذ سنة 3 أسابيع
    زمان العهر وزمان الداعرات كيف لإنسان عنده ذرة من الرجولة والنخوة والضمير من أن يتصالح مع نظام طائفي نصيري قتل من الشعب السوري أكثر من مليوني إنسان واغتصب الحرلئر أمام أزواجهم وهدم المدن والقرى وهجر أكثر من نصف سكان سوريا.صدقوني أيها الزعماء العرب الذين يريدون أن يطبعوا ويعوموا بشار الأسد النصيري الفاجر لو أن الله خلقكم نساء وكان عملكم في المواخيركان أشرف لكم . قريبا جدا سيقتلعكم المسلمون من جذوركم وإلى مزبلة التاريخ وغضب الله عليكم وأذلكم ياكلاب الماسون.
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات