( لكْ اضربْ عمي اضربْ .. شو تنتظر؟! )

( لكْ اضربْ عمي اضربْ .. شو تنتظر؟! )

لم يكن يدور في خلد كثيرٍ من السوريين أن يأتي عليهم يوم يفرحون فيه عندما يقوم الكيان الصهيوني بقصف أرضهم السورية، أو على أقل تقدير يشعرون باللا مبالاة وكأن الأمر لا يعنيهم؛ ذلك لما عاناه هذا الشعب من جيش بلاده والميليشيات المتحالفة معه على مدى أكثر من عقد من الزمن، فمن قتل وتدمير للمدن والقرى إلى تهجير قسري طال غالبية سكان المناطق الثائرة، والتي أبت على نفسها الرضوخ لسطوة الاستبداد الأسدي وظلمه الذي طال البشر والحجر.

ولا شكّ أن هذا الشعور الشاذ عن المألوف، والذي يبعث في النفس الحزن لما وصل إليه السوريون الأعداء من فرقة وتشتت وكراهية بفضل القيادة الحكيمة وسياستها، أقول إن هذا الشعور تولّد نتيجة الصدمة العظيمة التي صُدم بها هذا الشعب المكلوم عندما اكتشف متأخراً أن جيش وطنه، وعلى مدى عقود من الزمن لم يُدرّب لحمايته وحماية حدود الوطن، بل تم تدريبه لقمعه متى ما رفع رأسه مطالباً ببعض حقوق.

هذا عدا عن استجداء قيادته الحكيمة بكل زعران العالم لإعانته عليه نظراً لعجزه عن القيام بمهمته، فصار البلد نهباً للميليشيات على اختلاف مسمياتها من إيرانية وعراقية ولبنانية وأفغانية وسواها، وكلها تأتمر بأمر الولي الفقيه في طهران، حيث الحلم الفارسي الإمبراطوري ما زال يداعب مخيلة قادة إيران منذ أن تم القضاء على إمبراطوريتهم على يد الفاتحين من العرب المسلمين الذي حملوا لواء الإسلام خفاقاً، فصاروا أمة دانت لهم جميع الأمم في ذلك الزمان بما فيها الأمة الفارسية.

فكيف يمكن لهذا السوري المنكوب أن يشعر بالغضب من قصف الكيان الصهيوني المغتصب لأرض فلسطين لهذه الميليشيات التي جاءت تساند النظام في قمعه وقتله وسلبه أرضه؛ إذ دمرت مدنه وهجّرته بعدما قتلت الكثير الكثير من أبنائه.

لقد أفضت هذه السياسة الحكيمة إلى تحوّل جيش البلاد مع حلفائه من الميليشيات إلى عدو للشعب، ولذا لا غرابة أن يفرح هذا الشعب عندما يقوم عدوه التاريخي القديم المغتصب لأرض فلسطين العربية بقصف عدوه الجديد، بالرغم من أن هذا القصف على أرضه ومن سماء وطنه المستباح لكل ضباع العالم بفضل هذه القيادة التاريخية الحكيمة، وبالرغم من الألم والوجع الذي يعتصر قلب كل سوري غيور؛ ذلك لأن الذي يدفع الثمن هم السوريون، فالبنى التحتية التي تضرب هي سورية، ولربما طال القصف مواطنين سوريين لا ذنب لهم سوى أنهم كانوا قريبين من مواقع القصف، وأن كلا الطرفين لا يحارب على أرضه، فالصراع على الأرض السورية والذي يدفع الثمن هم السوريون كما أسلفت.

وفي هذا السياق تأتي تهديدات نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني لإيران، وذلك بالوصول إلى العمق الإيراني وقصف منشآتها النووية، ما يعني قيام حرب حقيقية بين العدو القديم والعدو الجديد للشعب السوري، علماً أن الصراع الإسرائيلي الإيراني ليس صراعاً وجودياً، بل كان وسيبقى صراع مصالح ومساحات نفوذ، حيث يتنافس الطرفان على زعامة منطقة الشرق الأوسط، ووجود كل طرف منهما ضرورة للآخر. 

فوجود إيران في قلب الوطن العربي يمثل عامل استنزاف للأمن القومي العربي تستثمره إسرائيل لإضعاف العرب بشعورهم الدائم بالقلق تجاه هذا الجار صاحب الأطماع التوسعية، ما يعني جعل عدائهم لها أي إسرائيل يأتي بالدرجة الثانية، وكذلك وجود إسرائيل ضرورة لإيران حيث تستثمر ذلك في خطابها الجهادي لتحرير فلسطين وجذب البسطاء من العرب لتبني مشروعها التوسّعي الإمبراطوري والقتال حتى الموت من أجل تحقيقه تحت مسمى حلف الممانعة والمقاومة.

ولعل هذه الحرب إن وقعت - رغم صعوبة ذلك - وإن كانت لزعامة المنطقة ليس إلا، أقول لعل ذلك يصب في مصلحة السوريين، فيتخلّصوا سريعاً من ميلشيات إيران التي عاثت في أرض سورية العظيمة فساداً وإفساداً، لكنها بالمقابل لن تكون في صالح ثورة الشعب الإيراني الآن ذلك أنها ستصدق ادعاءات ملالي إيران أن هناك مؤامرة صهيو أمريكية على ثورتهم الإسلامية.

ومع ذلك كله يبقى للسوري المنكوب زاوية الرؤية الخاصة به انطلاقاً من مصلحته التي تؤيد ضرب هذه الدولة المارقة والقضاء على مشروعها التوسّعي في المنطقة، ولا يهم حين ذاك على يد من تم ذلك.

ولعل لسان حال السوريين الذين ذاقوا مرارة الظلم بأبشع صوره الطائفية على يد الميلشيات التابعة لإيران، عندما يسمعون تصريحات نتنياهو الأخيرة وتهديداته بضرب إيران في العمق، يقول بإحساس عميقٍ جداً بالظلم والقهر (لكْ اضربْ عمي اضربْ .. شو تنتظر؟!).

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات