"أبيض قانٍ" المواطن السوري بين إرهاب النظام والتنظيم

"أبيض قانٍ" المواطن السوري بين إرهاب النظام والتنظيم

عشر سنوات من المأساة، يوثّقها الصحفي والكاتب "غيث حمور" بروايته "أبيض قانٍ" الصادرة مؤخراً عن دار (نون4)، والتي فتحت جرحاً تكرّر الولوج إليه في الساحة الأدبية السورية، إلا أن الزاوية التي كوّن "غيث" حكايته من خلالها، اختلفت بعض الشيء، فهو من مكانه يقبض على عدسة الصحفي، ويصوّبها باتجاه الحدث ككل، مُطلقاً سردية سريعة الإيقاع في أجزائها الأولى خصوصاً، كمن يحاول الإحاطة بكل ما حدث، من دون إغفال تفصيل واحد، ليكمل سبك روايته مرتكزاً على شخصية "سناء" التي تبدأ منها وتنتهي إليها. "سناء" التي مثلت بحسب الأحداث المَعيشة عدداً كبيراً من الشباب السوري الذين وضعتهم السنوات العشر الأخيرة على خط سردية واحدة، تكاد تكون متشابهة في تفاصيلها، إلا ببعض الأحداث المختلفة من حيث البيئة الاجتماعية. 

لماذا "أبيض قانٍ"؟

في محاولة لتشبيك العنوان الرئيس الذي يشكّل عتبة للنص مع مضمون الرواية، عمل "غيث" على تقديم "سناء" بروح ناصعة البياض، ثم أسقط هذه الشخصية على حدث مصبوغ بالأحمر القاني "لون الدم"، الذي أُشبعت به الرواية، كما أُشبع به الواقع السوري أيضاً... 

تبدأ "أبيض قان" أحداثها من مدينة دمشق، قبل فترة قليلة من انطلاق الثورة السورية، ثم بتسارع تنخرط الشخصية الرئيسية في صفوف طلاب الحرية. ومن دون سبب واضح، ربما يكون إخفاء السبب هفوة تُحسب على كاتب العمل، وربما حاول من خلال هذه الخطوة إيضاح حقيقة انخراط عدد لا بأس به في صفوف الثورة، بلا سبب يذكر...

 ثم تأخذ الأحداث خط بناء تصاعدي، حين تخضع سناء لدورات تدريب على التمريض والإسعافات، وتأبى بعدها مغادرة مدينتها "دوما"، مفضلةً مؤازرة أهلها على العيش بأمان خارج الحصار الذي فُرض على المدينة. وبينما حصل كل ذلك بخُطا سريعة، اصطدمت "سناء" بواقع جديد "الاعتقال" وذلك بعد محاولتها إدخال معدات طبية من العاصمة إلى "دوما" المحاصرة.

بين النظام والتنظيم

تخرج "سناء" بعد شهور من الاعتقال والتعذيب، بصفقة تبادل أسرى بين الجيش الحر ونظام الأسد، وبموجبها تنتقل سناء إلى فصل آخر من المعاناة... حيث يتم اختطافها هي وعدد آخر من النساء والرجال من قِبل تنظيم داعش، الذي ساق مختطفيه إلى مدينة الرقة معقله الرئيس.

 ليس من الصعب على أي سوري إجراء مقارنة سريعة بين النظام والتنظيم، فكلاهما يتوجهان نحو هدف واحد "إراقة الدم السوري" لكن المقارنة في "أبيض قانٍ" جاءت بعدة نتائج واضحة، أولها: ابتداء الرواية من مكان يحمل رمزية ثقافية "دار الأوبرا" في دمشق التي طالما أراد النظام توجيه رسائل إلى المثقفين السوريين من خلالها، تارة بإلقاء خطاب لرأس النظام فيها عام 2013 وتارة باتخاذها نقطة انطلاق الأجهزة الأمنية لقمع المتظاهرين السلميين، شأنها شأن معظم الدوائر والمنشآت الحكومية. وعلى الطرف الآخر لا يخفى اتخاذ تنظيم داعش الدوائر الحكومية والمنشآت العامة مقرات ومعتقلات لنشر إرهابه. 

في الدرجة الثانية يقدم "غيث" خلاصة: ولادة التنظيم الإرهابي من رحم نظام الأسد، وذلك بإظهار ارتباط عناصر وقيادات التنظيم مخابراتياً بأجهزة قمع النظام. بالإضافة إلى كثير من التقاطعات التي يقدمها الكاتب من خلال سرديته.

بعدما ذاقت "سناء" الويلات في غابة تنظيم داعش، بدأت محاولاتها الجادة بالهرب، وهكذا استطاعت الوصول إلى مخيمات النزوح في الشمال السوري المحاذية للحدود التركية، ومن هناك فكرت بالخلاص من لعنة الخارطة السورية على مختلف توجهاتها، والتي أذاقتها كل أشكال العذاب.

على خُطا ملايين السوريين

تجتاز سناء الحدود السورية التركية، لتعيش هناك فصلاً آخر من مأساتها التي تزجّ بها على متن قارب مطاطي حالها كحال الكثيرين، مجتازةً البحر إلى ضفة الأمان. وفي كل من تلك البقع الجغرافية "سوريا – تركيا – أوروبا" يضعنا الكاتب في أجواء مشحونة بالدراما التوثيقية، وهذا ما ظهر حتى في الاشتغال السردي للرواية، فهي تميل نحو التوثيق العام أكثر من اقتناصها لتفصيل محدد والعمل عليه.. 

في انتظار غودو السوري

كما يأخذنا الراوي إلى تخيل مقاربة بين الشخصية الأساسية "سناء" وسوريا كوطن، وما آلت إليه من انتظار، فسناء التي كانت ذاهبة لحضور مسرحية صاموئيل بيكيت "في انتظار غودو" أوائل آذار 2011، وما زالت بانتظار "غودو" المتمثل هنا بالحرية، كذلك وطنها سوريا الذي ينتظر المعجزة منذ انطلاق الثورة في العام نفسه. كل هذا الانتظار الذي تخللته مجازر ومآسٍ لم يثمر لكليهما "سناء وسوريا" سوى الانتظار أيضاً...

قد تحتمل الرواية في أحداثها أكثر من تأويل - على الرغم من عدم استخدام الكاتب للرمزية المباشرة - إلا أنه اتكأ أكثر على الإسقاط غير المباشر، وهذا ما يميز العمل وإدراجه تحت مسمى الرواية الفنية التوثيقية. 

وكخلاصة يضعنا الراوي في التحام مباشر مع البطلة وأشباهها، ممن آمنوا بثورة بلادهم، من دون السعي خلف الغد ومكاسبه، هؤلاء الخاسرون الرابحون، الذين خسروا وطناً وأهلاً ورفاقاً، وكسبوا وقفة شريفة إلى جانب المظلوم الباحث عن حريته. وكما حال معظم طلاب الحرية ما زالت نهاية قصة سناء مُشرعة لم تُكتب نهايتها، فها هي في بلاد غريبة تحاول بكل ما تملك من جسارة زرعتها فيها الثورة أن تدافع وتطالب بكل ما هو مسلوب من شعبها السوري. 

من المؤكد أن هذه الشخصية من وحي خيال كاتبها، لكن المؤكد أكثر أنها موجودة وبكثرة وكل منا عايش أو عرف سناء القريبة منه.

عن الكاتب والكتاب: "أبيض قانٍ" رواية صادرة عن دار نون 4 في تركيا، وقد جاءت في 159 صفحة من القطع المتوسط. 

"غيث حمور" كاتب وصحفي سوري من مواليد دمشق 1982، حاصل على البكالوريوس في الإعلام من جامعة دمشق، وماجستير في السينما والتلفزيون من جامعة بهجة شهير في تركيا.

 

التعليقات (3)

    مغترب

    ·منذ سنة شهرين
    و قد تناسا كاتب قصة ابيض زفت كم من اطفال ونساء وشيوخ من أهالي التنظيم قد هدر دمها من قبل التحالف الدولي المجرم الإراهابي اللعين السافل .

    عبد الرزاق

    ·منذ سنة شهرين
    معظم (الروائيين) السوريين نقلو قصص السوريين ومأساتهم في الحرب واللجوء بلغتهم الخاصة التي لا تمت بصلة للادب الروائي من السوريين الأعداء وانت ونازل

    قصلق

    ·منذ سنة شهرين
    هلأ كل واحد صار عندو نيت قوي باوربا بيجمع قصص من الفيس وبيعطهون لمدقق لغوي بيصيييير رواقيييي
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات