سوريا دولة محورية في الشرق الأدنى والأوسط، عانت كثيراً من الحكم العثماني قروناً وتنعّمت بالديمقراطية سنوات قليلة بعد الحرب العالمية الثانية.
هذه السنوات القليلة لم ترق للدول الغربية المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، فتسلّط الجيش على الحكم المدني منذ سبعين عاماً إلى أن انتهى أو كاد أن ينتهي كل شيء والآن يحكم البلاد عدداً محدوداً جداً من الشباب على شكل أفراد عائله يدعمهم شباب من عائلات قريبة منهم بصلة القربى الجغرافيه والإثنية والطائفية والتخلّق بأخلاق العبودية.
والآن وبسبب الفساد والأمية السياسية نضبت موارد الدولة وانتهى النفط والفوسفات وتم توزيع الموانئ والآثار التاريخية ورؤس الأموال تهرب والأموال تهرب والشباب تهرب خارج البلاد ولم يبقَ شيء في أعماق الأرض والبحر سوى حب الوطن…والناس بلا طعام وبلا تدفئة وبلا أي نشاط…بينما أشقاؤهم من الدول العربية مع أن حكّامهم لم يصلوا إلى الحكم بشكل ديمقراطي ولكن الثروات الوطنية تُرك للبشر جزء منها والفساد له جزء أيضاً ويبقى جزء له جذور في الأرض بالقوة الكامنة للدولة العميقة.
سوريا محاطة بأشقاء مثل إخوة يوسف الصغير…ولكن فيهم بعض ما تبقى من القيم القادمة من اليمن والحجاز يحيطون بدولة يحكمها شباب يحرك أدمغتهم أفيون المال والسلطة…
وبقيت الملايين من سوريا بلا طعام وبلا تدفئة وبلا آي نشاط سوى نشاط العاطلين عن العمل في العمل على الخروج من البلاد والخروج من أدنى شعور بالكرامة الفردية أو الجماعية وترك الثروات المحتضرة وترك الفساد في دبكة وطنية على الأول ومعه محرمة الشعارات.
سوريا الآن مقسمة فعلياً بشكل جغرافي وسياسي وإثني…
١- محافظة إدلب لهيئة تحرير الشام
٢- شرق نهر الفرات لقوات سوريا الديمقراطية
٣- غرب نهر الفرات لتركيا
٤- جنوب شرق سوريا للولايات المتحدة الأميركية
٥- جنوب غرب سوريا لإسرائيل
وسط البادية السورية لداعش
سوريا الآن مقسمة وشعبها ملغى مولاة ومعارضة ، ملغى بنظر السلطة وبنظر الجوار وبنظر دول العالم وسوريا الآن بلا مستقبل.
سوريا الآن مهدمة بيوتها وضمائر سكانها مهدمة، ينظر سكانها إلى نجاح الأوروبيين بعد مشروع مارشال في أعقاب الحرب العالمية الثانية وينظرون بحسرة إلى فشل ثورة الزنج وينظرون بسخط إلى غزوات المغول والتتار.
ويتأمل السوريون وهم غاطسون في بحر اليأس يتأملون في مسألة إعمار سوريا البناء المحتمل سيستمر خمسين عاماً ثم يأتي من يهدم هذا البناء ثم يعيدون البناء إلى أن تنتهي مواد البناء وتنتهي أحلامهم بالبناء .
ما تبقى من السوريين يبتهجون بسنوات بناء سد الفرات كيف كان العاملون في سد الفرات يسكنون في بنايات وفي بيوت كل بناية فيها السني والعلوي والدرزي والإسماعيلي والمسيحي والسرياني والكردي والآشوري متلاصقين ومتجاورين ومتحابين.
كل بناية لا يعرف الجار ماهو دين جاره ولا قوميته ولا حزبه، كانت سوريا كلها في مدينة الطبقة التي سُميت مدينة الثورة .
والآن أصبحت سوريا صفوفاً على الخبز وصفوفاً على الغاز وصفوفاً على مياه الشرب وصفوفاً على على استلام المخصصات وصفوفاً على المعابر وصفوفاً على الحواجز وصفوفاً على المستشفيات وصفوفاً عند مراكز الإيواء وعند مكاتب اللجوء ومكاتب الحماية.
وصار الهاربون لا يعرفون أسماء البلدان التي يمرون بها ولا يعرفون أسماء أولادهم ولا يعرفون عدد الغرقى ولا عدد من أصبح معه مليارات، يعرفون أن كل عائلة من المهاجرين أصبحت في مكان فلان في أمريكا وفلان في كندا وفي فرنسا وبريطانيا والمانيا والسويد والنرويج ولا يتجرؤون على القول منهم في روسيا البيضاء ومن هم في روسيا وهذا الخوف لا يعرفون أنه سيقودهم إلى راوندا ذات يوم.
ويعتقدون وبلا شعورهم أن راوندا ستكون أفضل من الائتلاف ومن اللجنة الدستورية وبطبيعة الحال من النظام وأن إفريقيا الوسطى وأن الحبشة أفضل من عين الفيجة.
يتذكر الناس المقهورون الآن عند مواقف الباصات أن هناك ومنذ أكثر من عشر سنوات قام أناس ممن قرؤوا كتباً عن الثورات أناس رسموا لوحات وقاموا بتمثيل أدوار ومخرجين ومغنين وإعلاميين يطالبون أصحاب المليارات في روسيا البيضاء بإصلاحات خجولة مثل تحسين ظروف الحياة السياسية والغذائية والصحية والاجتماعية.
وتم تصوير هؤلاء المتظاهرين وإحصاؤهم وفتح أضابير لهم وسجنهم ثم قتل من سيأتي بعدهم وأعطيت الأوامر فامتلأت السجون وامتلأت المقابر وأفرغت البيوت والشوارع وامتلأت فنادق جنيف وأستانا وسوتشي وإستنبول وغازي عنتاب وباب الهوى وبدلاً من المغول والتتار امتلأت صروح دمشق بالتجار ورجال المخابرات والقطط والعجول واتفقوا على موقف واحد: لا تنازل عن حرف واحد من كتاب الإفقار والقتل والإخفاء والإذلال .
كل شيء للأغنياء وسيستمر حقن الفقراء بالخوف وستستمر الأحصنة تأكل أخشاب عرباتها والحرب العالمية الأولى ليست بعيدة في التاريخ وسفر برلك ليس ببعيد وعظام الأحصنة تتذكر تلك الأيام.
وستحل البشر بدل الأحصنة يأكلون أنفسهم بسبب الجوع والخوف بينما الشباب الذين أذاقوا الملايين هذا الجوع وهذا الخوف سيستردون ما أخذ منهم من حدود ومحافظات ومعابر وحواجز ولكنهم سيخسرون شعبهم.
وكان هؤلاء الشبان قبل أن يستعيدوا الحدود والمحافظات والحواجز والمعابر قد تبرعوا بالمعارضات المنتشرة المنتشرة في سائر أنحاء الأراضي تبرعوا بها للدول المجاورة وإلى المنظمات الدولية وإلى قارئي الكف وإلى الأميين وإلى المدافعين عن الأمية وإلى محبي الطائفية والإثنية والى المحافظين وإلى التقدميين وإلى الرجعيين وإلى المتدينين والى الملحدين كما تبرع هؤلاء الشبان بالنفط وبالقمح وبالأدوية واشتروا لشعبهم التغيّر المناخي والجفاف والحصار وزيادة عدد السكان وزيادة قطع السلاح وزيادة مطابع النقد وزيادة حبال المشانق وزيادة أوراق النعي وزيادة أعداد الفقراء وقلة أعداد الأغنياء ليصبح الأغنياء الباقون أكثر غنى وسيزداد الاستياء من تخمة البعض مقابل إملاق البعض الآخر
وسينضب كل شيء وسيبقى صراخ المظلومين وعويل الأرامل صداعاً في رأس الزمن وسيعبر أربعة وعشرون مليون متسوّل مداخل القصر لتعطيهم السيده الأولى ما تبقى لها من بسكويت يوم أمس.
التعليقات (52)