مجلس برلمان الدُّمى ومسرحيّاته في نقد الحكومة

مجلس برلمان الدُّمى ومسرحيّاته في نقد الحكومة

لعله من البديهي جداً أن نقول إن العاقل من اتعظ بغيره أو تعلم من أخطائه، فإن عكس ذلك لا يكون سوى الأحمق الذي لخّص المتنبي حالته ببيت ذهب مثلاً مثل كثيرٍ من شعره حيث يقول:
لكلّ داءٍ دواءٌ يُستطبُّ بــــــه
إلا الحماقة أعيت من يداويها

منذ أن وعينا وفتّحنا أعيننا على الدنيا نحن جيل السبعين .. أو كما يحلو للبعض تسميتنا جيل الحركة التصحيحية، أقول منذ أن وعينا ونحن نسمع أو نرى في بعض المسلسلات مثل مرايا ياسر العظمة أو مسرحيات دريد لحام غوار الطوشة، خروجاً على المألوف وخطاباً يتسم بالجرأة كما يظهر لعقولنا الساذجة، فترى وتسمع نقداً لاذعاً للحكومة حتى كان البعض يظن أو يتصور ذلك ديمقراطية وحرية رأي، وهذه الحرية والديمقراطية في مخيال النظام وأتباعه من منجزات الحركة العظيمة التي غيّرت وجه تاريخ سورية الحديث كما يدّعون.

ولم نكن نعلم حينها أن ما كان يحدث من جرأة وتجاوز للخطوط الحمر لم يكن ليحدث لولا موافقة الجهات الأمنية المسيطرة على البلد، وذلك للتنفيس قليلاً وإشعار الناس السّذّج أن عندنا ديمقراطية وحرية رأي وتعبير.

ولو كنا انتبهنا قليلاً لكنا لاحظنا أن هذه الانتقادات اللاذعة توجّه إلى الوزراء ورئيسهم أو إلى بعض المتسلطين من ضباط الأمن، ولم تكن بحال من الأحوال تُوجّه إلى رأس السلطة الأوحد حافظ الأسد، ثم من بعده وريثه بشار الأسد، فهو منزّه عن الخطأ ولا يأتيه الباطل من أمامه ولا من خلفه، فتوجيه أي انتقاد له هو مساس بقدسيّته؛ لأنه فوق البشر أو أنه ليس من البشر بل من طينة الآلهة، هكذا أرادوا تصويره للناس، وهذا ما كان.

اليوم وبعد أكثر من عقد على انطلاقة الثورة السورية وما تبع ذلك من حرب مدمرة شنّها النظام وحلفاؤه الإيرانيون والروس على السنّة تحديداً دون غيرهم من الشعب السوري، نجد أن النظام لم يتعلم من أخطائه ولم يتعظ بما مرّ من مآسٍ تشيب لها الولدان، فالنقد الذي كان يوجّه إلى الحكومة أي الوزراء عبر الدراما أو المسرح تحوّل إلى البرلمان، فصار مجلس الشعب مسرحاً يقوم فيه الممثلون الكومبارس بتوجيه النقد ذاته إلى الحكومة، دون المساس بسيادته مطلقاً، فهي أي الحكومة هي التي تحاصر الشعب فوق حصار قيصر، فلو تستطيع أن تأخذ ضريبة أو جمارك على الشهيق والزفير لفعلت، وهم يعلمون علم اليقين أن هؤلاء مجرد موظفين يفعلون ما يُملَى عليهم من القصر الجمهوري من حكومة الظل التي يرأسها الرئيس بنفسه، وأن كل ما يدب على الأرض أو يطير في السماء يسير بإرادة حكومة الظل هذه، والباقون وعلى رأسهم الوزراء ورئيسهم ما عليهم سوى الطاعة وتنفيذ الأوامر العليا.

إن هذه المسرحيات الهزلية التي تحدث في مجلس الشعب أو في القنوات الفضائية التابعة لنظام الأسد ما هي إلا دليل قاطع على أن النظام لم يتغير لا ظاهراً ولا باطناً، وأنه ما زال يتعامل بعقليته القديمة مع الناس، وهذا دليل آخر على أنه غير قابل للإصلاح، وهو أي النظام يعرف ذلك، لذلك ذهب بالبلاد والعباد إلى الهاوية غير شاعرٍ بالذنب، وهو لم يكن يطبق بذلك سوى مقولته "الأسد أو خراب البلد" التي أصبحت البوصلة التي يسير حسب إشارتها.

ولعله غاب عمّن يدبر الأمر عند النظام أن أساليب السبعينات والثمانينات لم تعد تجدي نفعاً، لكن لا سبيل أمامه سوى ذلك، فهو يعلم علم اليقين أنه سيسقط سقوطاً مدوّياً في حال سار بخطا إصلاح حقيقية، فالنظام في بنيته يشبه كومة الرمل التي تظهر للناظر على أنها متماسكة، لكن متى ما وضعْتَ يدك فيها ستنهار على حد رأي أحد أصدقائنا.

ولا شكّ أن هذه المسرحيات الساذجة ما هي إلا محاولة فاشلة لامتصاص غضب الناس من الحالة التي وصلوا إليها من الجوع والبرد حتى أصبحت حياتهم لا تطاق، ولم يكن ليسمح بهذه الفسحة من النقد لولا انتفاضة أهل السويداء، فالنظام يخشى أن تمتد هذه الاحتجاجات وتتوسع رقعتها وتشمل مناطق أخرى مما يجعل موقفه أكثر حرجاً خاصة إذا وصلت هذه الشرارة إلى حاضنته في الساحل.
إن التاريخ لن يعود إلى الوراء، ومن الحمق معالجة الصداع في الرأس بشدّ عصابة من القماش عليه بقوة كما كان يفعل أهل أيام زمان، في زمن البنادول والترامدول، إن دواء الأمس لا ينفع اليوم بل هو غير مجدٍ إطلاقاً وإن البحث عن أي دواء جديد بالنسبة إلى النظام يعني اعترافه بتغير الزمن وتطوره وأنه هو وأساليبه صارت من ذكريات الماضي، وبالتالي سقوطه، ولكي يؤخر ذلك ما زال يكابر.

التعليقات (1)

    من سوريا

    ·منذ سنة 3 أشهر
    سيد صالح بشار اسد مالو علاقة لا بحكومة ظل ولا بالحكومة الرسمية هذا الامر اخر اهتماماتو هو رئيس بلا شعب ولا حكومة ورأيك موصح او ناقص انها حرب مدمرة شنّها النظام وحلفاؤه الإيرانيون والروس على السنّة تحديداً دون غيرهم بل على السنه الفقراء تحديدًا اغلب السنه الاغنياء وقفوا معه في حربه باستثاء بعض المغتربين المعارضين له
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات