في اليوم الذي وطأ فيه النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو أرض ناديه الجديد النصر السعودي، بعد أن وقّع عقداً بصفقة تقدّر قيمتها بنحو مئتي مليون يورو سنوياً، يكاد كل المشاهدين العرب من الخليج إلى المحيط وفي أوروبا وآسيا وأمريكا وكندا يتابعون حفل «تريو نايت» المقام ضمن فعاليات موسم الرياض بالمملكة العربية السعودية، ولأول مرة في المملكة احتفالاً برأس السنة الميلادية، في سابقة تعدّ الأولى في تاريخها، والذي شارك به اثنا عشر مطرباً ومطربة من جنسيات عربية مختلفة وهم وائل كفوري وعاصي الحلاني وصابر الرباعي وبهاء سلطان وجورج وسوف ومن المطربات نانسي عجرم وإليسا، وأصالة ولطيفة وأنغام ونوال الزغبي ونجوى كرم
حفل إعلان نهاية زمن الفن الجميل
في منطقةٍ تعاني من انقساماتٍ مجتمعية بسبب الصراعات السياسية والأيديولوجية والطائفية، تبقى الموسيقى عاملاً مشتركاً بين شعوب المنطقة العربية في الخليج و منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
هل أثّرت ثورات الربيع العربي والمشاكل التي تلتها على الساحة الغنائية العربية؟ وهل عكست الأوضاع الاجتماعية والسياسية والصراع الطبقي بين من يملك كل شي ومن لا يملك شيئاً؟
هل انعكس ذلك على مستوى الموسيقا والغناء لأن الموسيقا والشعر كما هو معروف مرآة لطبائع الشعوب ومستواها الثقافي والاجتماعي، ولأن الفن ليس منفصلاً عن الواقع، من المغني و كاتب الأغنية و الملحن و الفرقة الموسيقية فلم تُرضِ هذه الحفلة الأذواق
حفل تريو نايت في الرياض بمناسبة رأس السنه الميلادية
حفل تريو نايت الذي وُصف بالحدث الأكبر، نعم حدث كبير ولكن ليس بالمعنى الإيجابي جمع كوكبة من نجوم الغناء العربي يعدّون من الصف الأول ويغنون أغاني ناجحة جماهيرياً لهم أو لغيرهم على شكل تريو أي ثلاثة مطربين لكل أغنية وأحيانًا ديو أي مطربين اثنين في الأغنية الواحدة.
فكرة جمع هؤلاء المطربين المحبوبين جماهيرياً فكرة جميلة ولكن التنفيذ كان مخيباً للآمال، فهناك عدم جاهزية واضحة للمطربين وعدم الاتفاق المسبق على مستوى طبقات الصوت.
مسرح ضخم وتجهيزات احترافية وفرقة موسيقية ضخمة وميزانية إنتاجيه ضخمة وجمهور شغوف دفع أسعاراً مرتفعةً جداً للحضور ولكن النتيجة أن المشاهدة على الأقل أمام الشاشات لم تكن جميلة والاستماع لم يكن على مستوى جيد.
فكرة تكريم جورج وسوف فكرة جيدة وكان أداؤه أفضل من كثير من المطربين حالتهم الصحية جيدة، جورج وسوف، يصرّ حتى الآن بثقة أنه لا يزال قادراً على الغناء رغم سنه وحالته الصحية.
في هذا الحفل قرّر جورج وسوف العودة إلى أيام مجده في الزمن الجميل، "كلام الناس"، التي أحبها الناس في نهايات القرن الماضي وهي كلمات الشاعر السعودي تركي آل الشيخ، وتلحين الموسيقار المصري صلاح الشرنوبي إلا أن صوت جورج لم يعد قادراً على تغطية المساحات الصوتية المطلوبة لفنان كان "سلطان الطرب العربي" والذي لُقّب بـ الطفل المعجزة في بداياته
يقول وليد توفيق في تصريحات إعلامية إلى "أن صوت الفنان يبقى محافظاً على رونقه حتى مع تقدمه بالعمر،لأن الصوت لا يشيخ ولكنه يتغير بشكل بسيط مثل أي خلايا أخرى في جسم الإنسان. فأم كلثوم ووديع الصافي وغيرهما استمرّا بالغناء لأعمار متقدمة لامسا فيها الثمانينات وبقيا محتفظين بقوة النفس التي تسمح للفنان عامة بالغناء لمدة طويلة "
لم نستمتع في الحفلة بجماليَّة الأداء والإحساس ولم يبهرونا هؤلاء النجوم الذين أحببناهم، لاحظنا أن نبرة الأصوات تغيرت فالصوت أضعف ومرهق.
ربما يعود السبب لاختلاف صوت المغنين في الحفلات المباشرة عن صوتهم في الأغاني التي تسجل بالاستيديو، فصوت المغني في القاعات الكبيرة يتأثر بنوع الأجهزة المستخدمة وحجم الجمهور وحجم القاعة، أما في الاستوديو فهو يستخدم أفضل الأجهزة لتسجيل صوته، إضافة إلى إمكانية إعادة التسجيل عند ظهور نشاز بأدائه، إضافة إلى المؤثرات الصوتية التي تضيف عذوبة وجمالية على صوته.
إن كان من البديهي القول بأن الصوت هو آلة بشرية بيولوجية وهو جزء من الجسم البشري، فمن البديهي أيضاً القول بأن صحة الصوت تكمن في صحة وعمر صاحبه.
نلاحظ في هذا الحفل تراجع واضح في الغناء لفنانين لا يفتقرون لا إلى الإمكانات المالية ولا إلى رعاية من الإمبرطوريات الإعلامية الفنية ولا إلى حب الجماهير لهم باعتبارهم الأفضل على الساحة الفنية العربية.
من يستمع لهذا الحفل لن يرغب بإعادة الاستماع له كما كان يفعل عندما كانت روحه تعانق عذوبة و روعة أصواتهم وأحاسيسهم التي ينقلوها للمستمعين بصدق وكنا نستمع لأصواتهم مرات ومرات وفي كل مرة بجمالية الأداء المميز والرائع.
أنغام ورغم أنها أجرت عملية جراحية قبل فترة قصيرة وكان ينبغي لها أن ترتاح بدل أن تشارك في هذا الحفل صوتها ناعم مريح، له خصوصية شفافة، وحساسية عالية، ينساب أداؤها كالحرير ولكن في هذا الحفل بدا على صوتها التعب.
أصالة ونجوى كرم ووائل كفوري من أقوى الأصوات في شبابهم، أما الآن فهناك تراجع واضح في قوة الصوت بل وضعف أحيانا وتشنج ونزول طبقة الصوت وصعوبة في الأداء، قدمت نجوى كرم أغنيات دون مستواها، ودون ذلك الصوت الجبلي وصوتها الساحر.
إليسا ولطيفة قدمتا أغنيات دون مستواهما أيضاً، ودون صوت الإحساس الرومانسي الذي تعودنا عليه في صوتهما، ولكن إليسا استغلت قوامها فغنت بمفاتنها على المسرح وبأداء استعراضي مثير، كذلك الفنان التونسي صابر الرباعي لم يوفّق في الأداء و قدّم أغاني بصوتٍ متواضع مقارنة بأغانيه التي كنا نستمع إليها، كما كان كذلك الفنان اللبناني وائل كفوري مع زميلته التاريخية نوال الزغبي بدت إمكانياتهما الصوتية غائبة.
وهذا الأمر ينطبق على باقي المشاركين حتى أن الصوت يخرج بصعوبة كما حال وائل كفوري أكثر من مرة، وكذلك المغني ذو الشعر الطويل كان تركيزه مشتتًا وتائهاً طوال الوقت يوزع ابتسامات خجوله على زملائه, أداؤه كان ضعيفاً ومستوى طبقة صوته غير مناسبة للغناء ولا أعرف لماذا ورّط نفسه بالمشاركة.
قد يكون هذا النقد قاسياً للبعض ولكن الحقيقة دائماً مرّة، وهذا الأمر متوقع وطبيعي لمطربين في الثلث الأخير من مسيرتهم الفنية بعد فترات اجتماعية وسياسية صعبة عانت منها بلدانهم، وأيضاً فترة أزمة وباء كورونا واشتراطاته الصحية على المجتمع.
من المؤسف لم يظهر من الجيل الجديد فنانون لهم أصوات مميزه أو استثنائية مثل هؤلاء لمتابعة المسيرة.
مطربون ومطربات أغنية الوطن الأكبر
بعد انتهاء الحفل يتذكر المشاهدون مجموعة مطربي ومطربات الوطن الأكبر الذي كتب كلماته أحمد شفيق كامل ولحّنه محمد عبد الوهاب منذ خمسة وستين عاماً وكان المايسترو يومها محمد عبد الوهاب أيضاً والمؤدون شادية ووردة وعبد الحليم حافظ وفايدة كامل وصباح ونجاة الصغيرة، هل يحق لنا ولأربعمئة مليون أن نتذكر؟
ربما سيكون التذكر مثل إلقاء مقيّدين بالسلاسل بأيديهم وبأرجلهم وبألسنتهم بالبحر.
التعليقات (44)