لستُ متفاجئاً من إغلاق ميليشيا الجولاني للمدارس في إدلب، بل إني استغربت من تأخر ذلك كل هذه السنين التي سيطر بها هذا الفصيل المصنف إرهابياً على هذه المدينة المنكوبة بالأمس بالبراميل المتفجرة والمنكوبة اليوم بإغلاق مدارسها.
عندما قام تنظيم داعش بالخطوة نفسها إبان سيطرته على مناطق شاسعة في سورية والعراق قلنا هذه مهمته التي أوكلت إليه من مشغليه، وعلى رأسهم مخابرات الأسد وإيران، يومها كانت دوافع التنظيم المعلنة لخطوته تلك .. هي أن المنهاج الذي تدرسه هذه المدارس منهاج كفار، فلا هو جاء بمنهاج مؤمن ولا ترك هذا الجيل يخرج من أمّيته وإن بمنهاج كافر.
واليوم نرى المشهد نفسه يتكرر وإن بحجة غير تلك، فهنا الحجة عدم توفر رواتب للمعلمين، فرواتب آلاف العساكر التي لا عمل لها منذ سنوات مؤمنة ولا يجب المساس بها، أما المعلمون بناة أي أمة وأساس نهضتها، فهم ليسوا بالأهمية التي يتصف بها حامل البندقية المجاهد في سبيل جيبه على المعابر.
ما قلناه بالأمس نقوله اليوم .. إنها أوامر المشغّلين أنفسهم، فالهدف ليس تدمير البنى التحتية لمناطق من ثاروا وقالوا "لا" للظلم والاستبداد وحطموا جدار الخوف المتربع في نفوس أجيال من السوريين من نظام الأسد وحسب، بل المطلوب الأهم لديهم قتل روح هؤلاء وتدميرهم من الداخل بتحويلهم إلى قطيع من الجهلة والأميين حتى يتسنى سوقهم على الكيفية التي يشاؤها النظام بعد أي حل هو شريك فيه وصاحب كلمة كما يخطط لذلك الفاعلون الدوليون إذ إنهم لا يريدون إسقاطه بل تغيير سلوكه.
لذلك لن أتفاجأ إن أمدّ الله في عمري إن سمعتُ خبراً في المستقبل مفاده أن الجولاني ضابط مخابرات سوري أو قائد ذاك الفصيل عميل للفرع الفلاني وزعيم تلك العصابة ضابط ارتباط برتبة عالية لدى أجهزة النظام.
لن أتفاجأ .. ليس لأني نبيه وما تفوتني الفايتة.. بل لأن الدروس التي تلقينا تلقيناها نحن أبناء الثورة بالملعقة .. لو أنها لُقّنت لحمير أجلّكم الله لفهمتها.
فمنذ الأيام الأولى التي حمل بها بعضنا السلاح حذّرنا من العشوائية وعدم التنظيم .. كما إنا حذّرنا من الاختراقات في صفوف من يحملون السلاح.. لكن لم يصغ إلينا أحد .. وصار البعض ينظر إلينا نظرة ريبة كوننا لا نملك غير بعض أفكار حول الحرية وشكل الدولة وألسنة نجاهر بها بالحق وأقلام استعملناها سلاحاً في وجه من نراه حاد عن الطريق.
إن قتل أي أمة يبدأ بتجهيلها وإعادتها إلى عصور الظلام والتخلف، وما يقوم به من يغلقون مدارس أبنائنا هم يقصدون قتلنا وقتل مستقبلنا.
ما حصل ويحصل في المناطق التي تُسمّى زوراً "محررة" يجب مواجهته شعبياً بمظاهرات عارمة تضع للمتسيبين حداً، وتضع الدولة التركية أمام مسؤولياتها باعتبارها قوة مسيطرة وإن شئت محتلة لهذه المناطق.
كثير منّا عاش في تركيا سنوات وما زال ملايين يعيشون هناك .. وشاهدنا وعاينّا دولة مترامية الأطراف قوية بأمنها وإدارتها، فكيف لهذه الدولة التي تتصف بهذه الصفات لا تستطيع أن تضبّ كم أزعر وتضع لهم حداً في الشمال السوري الذي لا يساوي ربع ولاية من ولاياتها؟!
إن هذا ليدعو إلى التساؤل والريبة من هذه السياسة، الريبة التي تدفعنا للشك بأن هذه السياسة مقصودة ولم تأت عن عبث.
لكن لا ريب أن الحل بيدنا نحن السوريين.. الحل أن نقلع الأشواك التي علقت بجسدنا بيدنا نحن لا بيد غيرنا.
فمتى يكون ذلك متى؟؟
التعليقات (6)