رواية (جدائل الصفصاف العطشى): منبج العطشى للحرية بين مطرقة داعش وسندان قسد!

رواية (جدائل الصفصاف العطشى): منبج العطشى للحرية بين مطرقة داعش وسندان قسد!

كيف يكون شعورك وأنت جالسٌ بأمان الله في بيتك, ثم تسمع صوت صفير الطائرة المفزع وهي ترمي حممها فوق رؤوس الناس, ثم تسمع صوت دويّ انفجار قوي يخلع الألباب؛ لتتوارد الأنباء بعد ذلك عن قتل عائلة كاملة جراء قصف بيتهم؟!  

وكيف يكون إحساسك عندما تنام على منظر شابٍّ مصلوب, وتستيقظ على خبر مفاده تنفيذ القصاص على شابٍّ آخر؟!

كم هي الحياة قاسية ولا طعم ولا لون لها عندما تكون بهذه الصورة البشعة! منذ متى كان المجتمع السوري مجتمعاً متطرفاً؟ ألم تتعايش مكوّنات هذا الشعب منذ مئات السنين فيما بينها, ولم يحدث -إلا نادراً- أن حدث شيء يخلّ بالأمن العام, حتى تجد الجهود تتكاتف من كل الأطراف لحلّه وفضّ النزاع؟

تساؤلات كثيرة طرحتها الكاتبة فريال العلي ابنة مدينة منبج السورية التي كانت إحدى المدن السورية الرئيسية التي نادت للحرية وثارت ضد نظام الأسد, وعاشت فترة من الحرية عندما كان الثوار يديرون شؤونها قبل أن  تلبس السواد عندما سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش ) في يناير 2014م.

من داعش إلى قسد

في رواية جدائل (الصفصاف العطشى) الصادرة حديثاً عن دار موزاييك للطباعة والنشر, تحاول الكاتبة أن تلامس مكمن الألم السوري الذي استمرّ كل هذه السنوات, ولم يرَ نور الخلاص بعد, وذلك من خلال ما عاشته مدينتها منبج, فالرواية تدور أحداثها في أواخر الفترة التي كان ثوارها يديرون شؤونها, والتي سبقت سيطرة تنظيم الدولة عليها, ثم تستمر الأحداث إلى خروج التنظيم منها بعد ثلاث سنوات وسيطرة مليشيا قسد (حزب الاتحاد الديمقراطي) عليها بدعم من الأمريكان. 

حاولت الكاتبة أن توصل انطباعاً إلى القارئ عن عدميّة الحياة واستحالتها في ظل حكم هذا الفكر المتطرّف في فهمه للدين الإسلامي من حيث إنه -أي الدين الإسلامي- هو سبيل رحمة للعباد يوصلهم لعبادة خالقهم على الوجه الصحيح، فقد غادر الغالبية العظمى من أبنائه من الأطباء والمعلمين الذين يقوم على كاهلهم أمران مهمّان لحياة المجتمع هما الصحة والتعليم؛ التعليم الذي قام التنظيم بإيقافه نهائياً باعتبار أن المناهج مناهج كفر.

ليلى بنت السادسة والعشرين تعمل مصفّفة للشعر (كوافيرة) وتحمل إجازة في التاريخ، تنتمي إلى عائلة فقيرة مفكّكة حيث تزوّج الأب من زوجة ثانية وكوّن أسرة أخرى. ولم يكتفِ بأن قصّر في تمويل الأسرة الأولى بما يلزم، بل كان يأتي ليأخذ نصيبه من جهد ابنته ليلى مصففة الشعر, تقع ليلى بحبّ شابّ ينتمي إلى التنظيم المتطرف رغم رفضها قبلاً لفكرة الارتباط بغير رجل مناصر للثورة, فتتزوّج به وتخلّف منه, ثم يُقتَل في إحدى المعارك في الباب السورية؛ فترتبط بعده برجل انتهازي عائلته في تركيا, يتركها في نهاية المطاف ويلحق بعائلته.

ليلى الحاصلة على إجازة في التاريخ, ومصففة الشعر, هي الشخصية الرئيسية في الرواية, حيث تدور الأحداث معها وحولها من أول الرواية حتى آخرها, وكل الشخصيات الأخرى المحيطة بها هي إما شخصيات تأتي بالدرجة الثانية بالأهمية ( أمها, روضة صديقتها, زوجها حسن ), أو أنها شخصيات ثانوية لا فاعلية لها سوى لإتمام المشهد الدرامي, كالأب مثلاً الذي لا نجد له حضوراً يُذكر سوى على لسان البطلة ليلى.  

كيف حفظ أطفال سوريا أنواع الأسلحة؟

إنّ الأحداث الدامية التي مرت بها البلاد جعلت حتى أطفالها يعرفون أنواع الصواريخ والقذائف وحتى أسماء الطائرات التي تُلقيها, فبدلاً من الذهاب إلى المدارس والتّعلّم فيها صار واحدهم خبيراً بأنواع هذه الأسلحة. لقد حُرِموا طفولتهم ونضجوا مبكراً, كيف لا؟ وحديث الحرب والسياسة أصبح طعام السوريين اليومي إلى جانب كونه كلاماً تصوغه ألسنة البشر.

ترسم الكاتبة ملامح بعض شخصياتها الداخلية من خلال حديث النفس ( المنولوج الداخلي ) حيث تُفرغ الشخصية كل مكنوناتها سواء كانت الإيجابية أو السلبية, وهو صراع داخلي بين قوتين داخل النفس, قوة الخير وقوة الشر, أو قل السلب والإيجاب, وعادة ما ينتصر العنصر الأقوى الذي تتصف به الشخصية أكثر وتتميز به دون غيره.  

تقدّم الرواية صورة عن تشابك العلاقات في المجتمع السوري وتنافرها في كثير من الأحيان منذ قيام الثورة, فبطلة الرواية ليلى هي ثائرة ضد النظام تنتمي إلى ثوار 2011, وقد كانت تشترط أن يكون زوج المستقبل من أنصار الثورة, لكنها في النهاية تقع في حب حسن المنتمي إلى تنظيم الدولة, والمقاتل في صفوفه, وتتزوّج به رغم اختلافهما في التوجّه, معوّلةً على قدرتها باعتبارها المثقفة المتعلمة العالمة بأسرار التاريخ وحكاياته أن تغيّر من توجّهاته وأفكاره, ولعلها تستطيع انتشاله من هذا الجب الذي أوقع نفسه فيه ككثير من الشباب السوري جراء المحنة التي عمل العالم كله على تعميقها واستمرارها ما دام ذلك ضمن إطار مصالحه, وفي الطرف الآخر المقابل هناك أخوها محمد الذي يقاتل في صفوف جيش النظام باعتباره مجنّداً بالخدمة الإلزامية, والذي انقطعت أخباره عنهم منذ عدة أشهر, ولا يعلمون عنه شيئاً. 

المتطرف حسن زوجاً للبطلة!

لقد ألبست الكاتبة بطلتها ليلى وهي المجازة في التاريخ ثوب الفيلسوفة الصغيرة التي تحلّل وتناقش وتقدّم الأفكار وتعاند في التشبّث بها محاولة إقناع الآخرين بما ترى, والآخرون هنا منهم واقعيون مثل  (زوجها المتطرف حسن)، ومتخيّلون مثل (الحاكم المجرم)، والذي دخلت البطلة معه بنقاش طويل حول الأسباب والدوافع لما قام به في البلاد من قتل وتشريد وتدمير، وما يؤخذ على هذا الحوار من وجهة نظري هو أن الكاتبة اعتمدت أسلوب السّجع, وهو أسلوب قديم في الكتابة لم يعد يناسب هذا العصر, لكنها استطاعت أي الكاتبة في النهاية أن تقدّم أفكارها المؤمنة بها من خلال بطلتها ليلى؛ لتوصلها إلى القارئ بسهولة. 

تدخل الكاتبة في تفاصيل الحياة للمجتمع المنبجي من عادات وتقاليد وأعراف, وتحاول سبرها والغوص في تحليلها وانتقادها إن كانت خارج نطاق المنطق والقانون, فمثلاً تأتي على ذكر أكل ميراث البنت من قبل إخوتها الذكور، وهي عادة منتشرة بشكل كبير خاصة في ريف منبج, وهو أمر فيه ظلم كبير للمرأة, فروضة صديقة ليلى هي إحدى الشخصيات التي تأتي بالدرجة الثانية من حيث المشهد الدرامي في العمل الروائي تعيش فقيرة الحال لا يلتفت إليها إخوتها الأغنياء لمساعدتها رغم أكلهم لحقّها في ميراث أبيها ظلماً وعدواناً, والكاتبة هنا تلفت النظر إلى قضية مهمة جداً تدور حول حقوق المرأة المستلبة في المجتمع الشرقي ( المنبجي نموذجاً ).   

تُعدُّ رواية (جدائل الصفصاف) العطشى من الروايات التي عكست المأساة السورية عبر سنين محنتها, فقدّمت صورة هي أقرب إلى الشهادة على ما حدث في هذه الفترة, وإذا كان الأدب هو إعادة خلق للواقع أو هو إعادة إنتاجه جمالياً, فإن الكاتبة فريال العلي استطاعت أن تعيد خلق هذا الواقع الذي عاشته، وتقدمه لنا في عمل أدبي روائي جميل، ينقل القارئ بكل أحاسيسه إلى ذلك الواقع ليعيشه معها واقعاً محسوساً مستعيناً بمخيّلته ووجدانه المفعم بالفوران العاطفي.  

 

التعليقات (4)

    علوي علماني

    ·منذ سنة 9 أشهر
    قسد هي الوجه الآخر لداعش... وهدول الأكراد الكرارة البويجيي سيتم كنسهم من منبج ومن شرق الفرات عاجلا ام اجلا... مع اني آااابتمنى يصير هالشي على ايد أردوغان والاحتلال التركي

    ابن منبج

    ·منذ سنة 9 أشهر
    يكفي خرط ولله مكيفين بمنبج هلق الله لايقدر انو حدا تاني يدخل ولا الجيش الحر ماضل عندو مصاري و بدكن الحر يدخل منشان يسرق حتى بواب البيوت ويطالع مصروفو بحجة مصروف المجاهدين هههه

    ابو احمد

    ·منذ سنة 9 أشهر
    ستلبس منبج لون الفرح وسيخرج منها كل الطامعين وسترتدي ثوب الحريه مهما طال الزمان

    عيسى النجم

    ·منذ سنة 9 أشهر
    هذا واقع الحال في معظم مدن سورية قصص حزينة ومبكية ومآسي وآهات
4

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات