أعلى نسبة سجّلتها إحصائيات الأمم المتّحدة للزيادة السكانية في العالم ما بين 2005 و2010 كانت في "ليبريا" الأفريقية بمعدّل نموّ سكّاني سنوي بلغ 4,5 %، فيما سجّل كتاب "حقائق العالم" الذي تصدره وكالة المخابرات المركزية الأمريكية منذ 2013 أنّ "سوريا" تقع في آخر قائمة إحصاءاته ضمن 233 دولة حول الزيادة السكّانية العالمية، لكن ليس بزيادة، بل بمعدّل تناقص بلغ -9,73.
لا يمكن البتّ تماماً بحقيقة هذه الأرقام، وإن كان من الممكن أن تكون أكثر دقّة في البلدان التي تنعم بالاستقرار وسياسات الشفافية ووسائل التكنولوجيا الكافية لجمع البيانات والمعلومات اللازمة للإحصاء السكّاني وغيره، إلّا أنّ معايير ووسائل الوصول إلى ذلك غالباً ما تكون غير متاحة في معظم دول العالم، وإن كانت "جُزُر كوك" -حسب نفس الكتاب المذكور- نعم "جُزُر كوك"، تأتي في المرتبة قبل الأخيرة أي قبل آخر دولة وهي "سوريا" بمعدّل تناقص بلغ -3% في نفس السنة بسبب انخفاض الخصوبة وازدياد أعداد السكّان المسنّين، فما الذي حدث في هذه الدولة "سوريا" حتّى حقّقت هذا الرقم القياسي في التناقص السكّاني -وهو رقم أقلّ بكثير من أرقام الواقع- وكانت الأمم المتّحدة قد صنّفت سوريا بين 2005 و2010 "سوريا" نفسها بعينها وذاتها في المرتبة 28 عالمياً وبمعدّل زيادة سكّانية سنوية بلغت 2,52%؟.
لا فيضانات، لا براكين، لا زلازل، لا أعاصير، ولا حرائق، ولا قحل أو جفاف، ولا حتّى كويكبات أو نيازك وشهب من الفضاء، ومع معدّل خصوبة بلغ 3,4 أطفال حقّقته النساء السوريات في 2010 -حسب "البنك الدولي" هذه المرّة- فكيف نبرّر للعالم هذا التناقص السكّاني السوري؟ كيف يمكننا إقناع الأمم المتّحدة ومنظّماتها العظيمة "الفاو" و"اليونسكو" و"الدبليو اتش أو" و"الأو اي تي" والأو أم إس" والإتش سي دي إتش" و"اليو إن إتش سي آر" وغيرها أو غيرهنّ، وكيف يمكن تفسير هذه الحالة لجماعة وعناصر ومخبري المخابرات المركزية الأمريكية أصحاب كتاب "حقائق العالم"؟، ماذا نفعل؟، نحن في ورطة حقيقية، تناقص سكّاني سوري مذهل عجيب مُخيف ورهيب لم نجد له أسباباً معقولةً أو تبريرات مقبولة، فنحن بالكاد سمعنا عن امرأة سورية عاقر أو رجل سوري عقيم، وبكاد الكاد نتصوّر في أيّام وأحداث هذه العولمة المجتمعية اللطيفة شيئاً اسمه "مثلية جنسية" فننفض رؤوسنا دهشةً وامتعاضاً، لذا.. كيف نفعل وماذا نقول، وأيّ شيء يُقال بعد كلّ ما قيل؟.
الكثيرون من جيلي وما قبله وربّما آخرون يعرفون هذه المقولة لأنّها أصبحت لطرافتها مثل "هاشتاغ" شفهي فُكاهي تداوله الناس كثيراً للتعبير عن حالة من حالات العجز عن الردّ أو التعجّب من قضيّة أو موقف أو تصرّف: (ماذا أقول؟، وأيّ شيء يُقال بعد كلّ ما قيل؟)، بعدما قالها "عادل إمام" في فيلم "خلّي بالك من جيرانك"، الفيلم المصري الكوميدي المُنتج سنة 1979، والذي يقوم فيه "عادل إمام" بدور محامٍ يترافع مرّةً في قضيّة دون أن يعرف ما هي هذه القضيّة أو حتّى شيئاً عن موضوعها بل وعنوانها، فلقد أخّرته زوجته "لُبلُبة" عن العمل وقتها لأنّ لها فيه مآرب!، ثمّ حين يدخل إلى قاعة المحكمة مثل أطرش في زفّة عُرس، لا يجد مناصاً للمضيّ قُدماً في جلسة مرافعته سوى أن يسوّف أو يحاول التسويف، ويضطّرّ أن يقول شيئاً وكأنّه يُضيف: (وهل قول يُقال مثل قول قيل قبل ذلك؟)، فيتبيّن أنّ القضية قضية قتل، ويقول له القاضي ببساطة ووضوح وصراحة المسموح: (الراجل متّهم بقتل جارو، والشهود موجودين).
مع الإحصائيات السكّانية للأمم المتّحدة المُشكّلة لعشرات المنظّمات الرئيسية في الصحّة والغذاء وحقوق الإنسان والإعمار والتمكين وحلّ الصراعات والنزاعات والخلافات والبلبلات، ومع بيانات البنك الدولي المؤلّف من خمس منظّمات عالمية على الأقلّ شأنها تطوير البُنى الاقتصادية الفوقية والتحتية وحماية الاستثمار الإنساني العالمي، ومع أمريكا ومخابراتها القويّة الذكية، وأوروبا ومشاريعها القومية العميّة، دول "مجلس التعاون الخليجي" وطموحاتها الديمقراطية العربية، ومع والدٍ قد ولَد أسد والنصرة وقسد، وسفلة (مُعارضة) بالعدد يبذلون له السند، يتناقص السوريون.. وقد لا يبقى منهم أحد!.
في نفس المرافعة المنوّه عنها حول "الفيلم" المومأ إليه كتابةً -وذا ليس صحيحاً فالصحيح أنّ الإيماء يكون بحركة الرأس لا بالكتابة- وقبل أن يعرف أخو المتّهم الذي كان في أشدّ إعجاب الهبل والمهابيل بالمحامي الذي كان يصرخ في قاعة المحكمة مدافعاً عن متّهم لا يعرفه، فيسانده معاونه قائلاً: (اللهمّ صلي عالنبي.. الأستاذ لأجل بختك مركّز أوي النهارده..).
قال القاضي: اُدخُل يا أُستاز..
أجاب المحامي مُمَثَلاً بـ"عادل إمام": أدخل فين يا فندم؟.
التعليقات (0)