رماد الذاكرة لـ "محمد السلطان" رواية الثورة السورية تمزج الحب بنيران الحرب

رماد الذاكرة لـ "محمد السلطان" رواية الثورة السورية تمزج الحب بنيران الحرب

كثر هم من يدينون للثورة السورية في تحرير مواهبهم، وقد نستطيع القول إنها ساهمت بشكل كبير في كسر قيود التعبير لدى من يمتلكون الكلمة. وكثيرة هي الأعمال الإبداعية التي أزهرت في ربيع الثورة، إحدى عشر سنة بلا أمل في الأفق، لكن وحدها القافلة الأدبية استطاعت المرور من جميع الحواجز وإكمال مسيرها.

 

توثيق ميداني وعسكري وخيال عاطفي 


صدرت مؤخراً عن دار موزاييك للدراسات والنشر رواية "رماد الذاكرة" للكاتب السوري "محمد السلطان" والذي أراد من خلالها توثيق جانب من الحياة السورية، في بقعة لم يتم تناولها من قبل بهذه الطريقة. حيث يقول الكاتب في مدخل روايته: 
"بعض الأحداث الموجودة في الرواية بالإضافة لقصة الحب، والشخصيات، والأسماء، هي أحداث وهمية من خيال الكاتب. أما الأحداث الميدانية والعسكرية فهي أحداث حقيقية موثقة باليوم والتاريخ".


قبل الولوج إلى الرواية ومن خلال التنويه السابق الذي ورد على لسان "السلطان" نرى أنّ العمل يأخذ طابعين، أحدهما سردي فني والآخر توثيقي، في حين لا يطغى أحدهما على الآخر.

 

يبدأ الكاتب سرديته بشكل كلاسيكي منذ بداية الحدث الذي يتصاعد ويتكشف شيئاً فشيئاً. لنتعرف في الصفحة الأولى إلى "علي" بطل روايته الشاب النازح من محافظة إدلب السورية إلى مدينة عين العرب "كوباني" في الشمال الشرقي. يدخل "علي" مدينة "كوباني" في وقت كانت تخضع فيه لسيطرة وحدات حماية الشعب، ثم ما يلبث القارئ التعرف إلى أجزاء من الحدث الآني حتى ينتقل فيه الكاتب إلى الماضي ليصقل شخصية البطل في ذهنية القارئ، وبذات التكنيك "الفلاش باك" يعيدنا "السلطان" إلى الخط السردي الرئيسي.

 

التقرير الصحفي كأحد أدوات التوثيق


إضافة إلى السرد، لجأ الكاتب إلى أسلوب التقرير الصحفي عند ذكره للمجريات العسكرية والميدانية، وكأنه يريد توثيق الأحداث توثيقاً تأريخياً دون تركيزٍ على تقنيات الكتابة الأدبية الإبداعية، فقد أراد لهذا التوثيق أن يكون موادّ معرفية تضاف إلى جعبة القارئ.


"قويت شوكة التنظيم، وبث شريطاً مصوراً يظهر فيه الخليفة – حسب زعمهم – أبو بكر البغدادي، يخطب من الجامع الكبير "الحدباء" في مدينة الموصل العراقية التي جعلها مقراً  لخلافته، وتوجهت أنظار كلّ الشعوب والدول إلى مشاهدة البث المصور، ... وراحت الدول والقادة وعلى رأسهم البنتاغون يصرحون بأنه هو، هو ذاته أبو بكر البغدادي الذي أخفى وجهه لسنوات عديدة."

 

يبدي "محمد السلطان" في روايته موقفاً من ما يحصل في تلك الفترة الزمنية على الأرض السورية من قتل ودمار، وتقسيم، وانحياز النفوس، فينتصر للإنسانية بصورتها الحقيقية، حين يختار الوقوف بجانب الإنسان بغضّ النظر عن قوميته وعرقه وديانته. 


حرب، وحب، وهزائم، وتضحيات، هي الثيمات الرئيسة التي أسس عليها الكاتب فكرته، ليخوض بها بحراً من السرد السلس الرصين، ولا يخفى على قارئ "رماد الذاكرة" التركيز الذي صُب فيها على وحدة الأراضي السورية الذي ظهر كأنه الشاغل الأكبر للكاتب. بالإضافة إلى التعايش والتسامح، فكان المحور الأساسي الذي حضر بشكل مباشر.

 

حب في زمن الحرب:


قد لا يمرّ عمل روائي من دون استجلاب الحب كحامل للمشاعر الإنسانية، ولدى "محمد السلطان" حضر الحب كتعبير عن التعايش بين القوميات أو العبور الأسمى للفكرة على حواجز الأيديولوجيا. فكان على شكل علاقة بين الشاب العربي "علي" والفتاة الكردية "هيفيدار" اللذين وجدا متسعاً لمشاعرهما في زمن صعب.


"بين الحبّ والحرب هناك الكثير من الأشياء التي لا تقال، الكثير من الشعور الذي لا يمكن التعبير عنه بأيّ أبجدية، والكثير الكثير من الغصّات التي لا تطاق. مشاعرُ مكبوتة تتحوّل إلى صديدٍ في الروح، غصّات في القلب، ونزيف فكرٍ في الذاكرة. سيرحل يوماً شبح القتل يا سيدتي، ويعلن استسلامه لملاك السّلام، كما يرحل الليل بظلامه وأرقه وآلامه، ويلملم فضلات حلكته، ليبسط النهار نوره بالكلية، سيحصل ذلك يا سيدتي. في بلد يعجّ بالقتل والدماء والتدمير... لم يبقَ بيت إلا فيه غصّة وجرح، ولن يندمل هذا الجرح، أيّ خيط سيرمّمه، أيّة إبرة ستخيطه؟"

 

"كوباني/عين العرب" تحت سكين تنظيم الدولة!


واستكمالاً لمشروعه الروائي التوثيقي عمل "السلطان" على رصد المقتلة التي شنها تنظيم الدولة على تلك المنطقة، بعين الرائي الذي عاصر المرحلة وعايشها. حيث سلك دروباً وعرة في وصف الحالة التي آلت إليها المنطقة وسكانها. ولم يغفل عن أدق التفاصيل. كما حاول إيصال فكرة أنّ السلاح بيد أية جهة هو سلاح قاتل لا يمكن أن ينصر مظلوماً.  

 

"عدّل هافال من جلسته، وقال بخفوت بالغ وهو ينظر إلى الأرض: نعم لقد كان هو، لا تخبرا أحداً بذلك أرجوكما، لقد هددني إذا وشيت به. التقيت مع عناصره وهم أخذوني إليه .
قال علي: كيف يجرؤ هذا الحيوان على التعامل مع تنظيم الدولة. أنا على ثقة بأن ليس هناك أحداً يريد النّجاة للأبرياء، كلهم حثالة وهمّهم الوحيد المناصب والنفوذ وجمع الأموال .
قال هافال: لا أعتقد أنه يتعامل مع تنظيم الدولة، وإنما يتاجر بالتهريب هذا ما فهمته .
رد علي بقوة وغضب تكاد تنفجر أوداجه: أيًاً يكن هو يتاجر بدمائنا."

 

وإلى جانب كل ذلك، اختار الكاتب تعدد الشخوص والتركيز على كل شخصية على حِدة فأدخلنا إلى أعماق شخوصه حتى الثانوية منها، بالوصف تارة وبإظهار الأبعاد النفسية لها تارةً أخرى.

 

وأخيراً لا بد من ذكر أنّ رواية "رماد الذاكرة" هي نبش في رماد الحرب التي أحرقت ما في طريقها على امتداد الوطن السوري الجريح، وتوثيق لمرحلة ومنطقة نالت ما نالته من سكاكين القريب والبعيد.

 

عن الرواية والراوئي:
"رماد الذاكرة" للكاتب السوري محمد السلطان "26" عاماً
من مواليد ريف إدلب الجنوبي.

جاءت الرواية في 213 صفحة من القطع المتوسط وهي صادرة عن دار موزاييك للدراسات والنشر في تركيا.
 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات