ويعتقد مراقبون كثر أن من "السذاجة" أن يتصور أحد أن الأوساط الموالية وهي تنتقد الروس إنما تقوم بهذا الفعل بمبادرة منها، ودون الحصول على إذن من أجهزة نظام بشار الأسد الأمنية، ولا سيما أن من بين المشاركين في توجيه الانتقادات "اللاذعة" للروس، شخصيات على صلة قوية بالنظام، مثل ابن عم رأس النظام "دريد الأسد" والممثل "بشار إسماعيل".
وكان إسماعيل المعروف بعلاقته القوية مع عائلة أسد، قد قال على صفحته الشخصية في "فيسبوك": إنه سيغير اسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، احتجاجاً على عدم تدخل روسيا والرد على القصف الإسرائيلي، مضيفاً: "كنا نسميه أبو علي بوتين وبعد الاعتداء على ميناء اللاذقية سنسميه أبو لهب بوتين".
وإلى جانب إسماعيل، شنت عشرات الحسابات الإلكترونية التي تديرها أجهزة أمن أسد هجوماً على روسيا، حتى وصل الحال بأحد الحسابات إلى السخرية من مصطلح "الحليف الروسي" ونعته بـ (الحلوف الروسي).
الانتقادات للروس إلى زيادة
يجزم المعارض السوري العلوي "ياسين عضيمة" المقيم في باريس بإعطاء النظام الضوء الأخضر لأنصاره بانتقاد روسيا وتوجيه اللائمة عليها، مرجعاً ذلك خلال حديثه لـ"أورينت نت" إلى محاولة النظام امتصاص غضب الشارع الموالي الممتعض من عدم قيام الروس بالتصدي للهجمات الإسرائيلية المستمرة.
أما المحامي السوري الدكتور "أكثم نعيسة" والذي ينحدر من الطائفة العلوية فيقول: إن نظام أسد بفعل عجزه عن خوض أي شكل من أشكال المواجهة الصريحة مع موسكو، يطلق إعلامه وزبانيته لانتقاد الموقف الروسي بأشكال مختلفة، مرجحاً أن تتصاعد وتيرة الانتقادات للروس وصولاً إلى ما يشبه حالة الحرب العلنية المفتوحة على جميع الاحتمالات.
ومن مكان إقامته بباريس يوضح نعيسة لـ"أورينت نت" أنه على الرغم من أن القصف الإسرائيلي موجَّه نحو قوى إيرانية أو قوى مرتبطة بها، إلا أنه وفي الوقت نفسه يطال مؤسسات اقتصادية إستراتيجية في سوريا، ويُلحق بها أضراراً بالغة لا يستطيع نظام أسد بوضعه الراهن الهش أن يعيد صيانتها، كمرفأ اللاذقية مع الاعتبار أن لروسيا حصة فيه.
ويضيف "نعيسة" أن القصف الوحشي من طرف آخر يطال أيضاً منشآت مدنية ويقتل ضحايا مدنيين، الأمر الذي يزيد نقمة المواطنين على النظام العاجز عن حمايتهم، والذين هم أصلاً يعانون الجوع والبرد والقمع والذل، على حد قوله.
ويتابع أن من الواضح للجميع الخطوط العريضة للصراع الدولي والإقليمي القائم على الساحة السورية، فالحلف الأمريكي الإسرائيلي لن يسمح بحال من الأحوال بأن تُحدث إيران مواقع راسخة في سوريا، والرسالة الإسرائيلية واضحة مفادها أن ليس لطهران مكان ونفوذ على حدودها أياً كان الثمن.
دور روسيا في سوريا وموقفها من إسرائيل
وحول الدور الروسي، يعتقد نعيسة أن موسكو راضية عن القصف الإسرائيلي على المواقع الإيرانية، لأن الأخيرة هي المنافس الرئيسي للروس في إدارة الوضع السوري ونهب ثروات البلد، والوجود الإيراني القوي يعرقل إلى حد ما حرية الحركة الروسية في سوريا على صعد مختلفة، موضحاً أن تأثير نظام أسد هو الأضعف في مجريات الصراع بحكم تبعيته المزدوجة لإيران وروسيا.
أبعد من الغضب الشعبي
وتتجاوز الانتقادات للروس كونها غضباً من الضربات إلى ما هو أبعد، كما يقول المحامي "عروة سوسي" من ريف اللاذقية، مؤكداّ أن الأجهزة الأمنية أعطت أوامرها بالهجوم على الروس عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديداً من الأجهزة ذات الصلة بماهر الأسد شقيق بشار، والمرتبطة بإيران.
وفي حديثه لـ"أورينت نت"، يربط (سوسي) بين الضربات الإسرائيلية التي يتعرض لها الميناء، وبين رغبة روسيا بإبعاد إيران نهائياً عن المرفاً، ويقول: "الواضح أن هناك حالة تقاطع دولي على إبعاد إيران من الميناء، وتحديداً بعد أن حوّلته إيران وميلشياتها (حزب الله) إلى أكبر محطة لتصدير المخدرات والممنوعات إلى الأسواق الإقليمية والدولية".
وأشار "سوسي" إلى عدم مشاركة قاعدة حميميم الروسية المجهّزة بمنظومات دفاعية ولوجيستية متكاملة، في إخماد الحرائق التي خلفت ضرراً واسعاً في ساحة الحاويات في المرفأ، رغم أن النيران بقيت مشتعلة حتى ظهيرة اليوم التالي للضربات.
وبذلك، فإن الضربات التي يتعرض لها المرفأ مؤخراً، تأتي في إطار الحد من نفوذ إيران "المتعاظم" في سوريا، ما يعني وفق "سوسي" أن كل الأصوات المنتقدة والمهاجمة للروس هي بأوامر مباشرة من أجهزة النظام المرتبطة بطهران، وأنه يمنع أن يتم تناول قضية تمس علاقات وتحالفات "الدولة" دون الحصول على إذن منه.
التعليقات (5)