هذا بالضبط ما كان مكتوباً فوق بوابة "كلّية الشرطة" في حيّ القابون بدمشق عاصمة الدولة التي اسمها سوريا، بلا زيادة أو نقص، وللأمانة لم يكن مُضافاً إلى هذه العبارة التعبير الخلّاب "الفارس الذهبي"، ولا المُستحدَث وقتها المُتجدّد الآن "باسل الأمل"، فقط نوع التحصيل العلمي والنضالي "المهندس المظلّي"، ولا أعلم من "الحيوان" الذي غيّر اسم أو "أسماء" الكلّية المنوّه عنها فأغفل الكلمات الثلاث: المهندس، المظلّي، وحافظ!
والأنكى أنّه كان فوق البوّابة صورته المعروفة المشهورة طبعاً بالنظّارات الشمسية وهو يركب على الكديش، مع علم "الجمهورية العربية السورية"، ولطالما استغربت من هذه الصورة، وتساءلتُ أيضاً: مَنِ الكديش الذي ركّب صورةً لراكب على كديش واضعاً نظّارات شمسية!.
كلّية الشهيد الرائد الركن باسل الأسد للعلوم الشرطية، ثماني كلمات بالضبط، وليس "كلّية الشرطة"، وللأمانة ستّ كلمات منها صحيحة، وكلمتان لا، "العلوم الشرطية"، كان ينبغي ألّا تُذكرا، ففي ذلك المكان لا مكان أبداً للعلوم الشرطية، ومن قد يتعلّم منها شيئاً سيتركها في "جاموقة الخيل" حيث يُستقبل "الطلّاب الضبّاط" فور التحاقهم بدورة تخريج "مدراء النواحي" في الشرطة السورية، تيمّناً بكديش الفارس الذهبي على الغالب!، طلّاب ضبّاط يستعملون المسدّس "مكاروف" والبندقية "كلاشينكوف" طوال دورة "الشرطة" مرّتين، لا يعرفون مختبراً علمياً ولا تدريباً على إجراء التحقيق الجنائي أو إدارة حركة المرور، ويركضون في اليوم الواحد ما مجموعه عشرين كيلومترا، هل هم أقرب إلى العلوم الشرطية أم إلى سباقات الحواجز؟.
كان "صلاح محمّد خضّور" العلوي الذي من "القطيلبية" الذي مات بداية هذا العام مديراً لإدارة "التوجيه المعنوي" في وزارة الداخلية ورئيساً للجنة اختيار الطلّاب الضبّاط صيف 1997 في كلّية الشهيد الرائد الخ.. وإلخ..، وأمّا اللواء محمّد بشير النجّار السنّي الذي من دمشق والذي أرسله حافظ أسد إلى السجن في 1998 (ضمن وخلال عمليّة -انتبهوا- مكافحة الفساد التي يقودها الدكتور بشّار نجل الرئيس السوري هكذا كان العنوان)، فمات في سجنه سنة 2002، فلقد كان مديراً للمخابرات العامّة، وحضر مقابلات الاختبار بهدف انتقاء بعض المتقدّمين للعمل لدى المخابرات العامّة بعد تخرّجهم، ولقد جرى ذلك سابقاً فالتحقت دورة كاملة من ضبّاط الشرطة بأمن الدولة أي "إدارة المخابرات العامّة"، وبقي جميع أفرادها على "ملاك وزارة الداخلية"، بالاتّفاق بين الإدارة والوزارة، وهذا طبيعي في "سوريا أسد"، حيث كان معظم ضبّاط الشرطة القدامى من خرّيجي الكلّية الحربية في حمص، لا أحد منهم على الإطلاق يعرف ماذا تعني كلمة "قانون"، ليسوا حقوقيين ولم يدرسوا شيئاً حول أو عن "الضبط العدلي"، أو أصول التحقيق الجنائي أو عن المخدّرات أو النجدة وحفظ النظام أو الجوازات أو المرور وغيره، لا شيء أبداً من ذلك، من مدفع "الهاون" إلى الشرطة بل إلى "الأمن السياسي".
كان لزاماً وما زال، أن يصدر مرسوم جمهوري لقبول استقالة الضبّاط أو تسريحهم، يعيّنون بمرسوم ويتسرّحون بمرسوم، القانون في الجمهورية العربية السورية صارم ولا يمكن تجاوز حذافيره!، وفي تلك الفترة تماماً في بداية 2003 تمّ تسريح عدد من ضبّاط الشرطة وكان أغلبهم من "الأمن السياسي"، الأمن السياسي "شعبة" تتبع وزارة الداخلية، عناصرها أصلاً من الشرطة، لكنّما يتمّ اختيارهم للخدمة في الشعبة -حسب الموانة الطائفية- موزّعين بينها وبين فروعها في كلّ المحافظات السورية فيكون أغلب ضبّاطها من "العلويين"، ليقوم "ملازم أوّل" ما "علويّ" غالباً أو بالطبع باستدعاء "عميد" ليس علوياً طبعاً وعلى الغالب، فيحقّق معه ويُهينه، ولقد تسرّح من المقرّ العامّ لوزارة الداخلية السورية وقتها - أي وقت مكافحة الفساد بقيادة الدكتور المجرم الأهبل نجل الديكتاتور الحاخام- ثلاثة ضبّاط اثنان علويّان خرّيجا كلّية حربية وواحد سنّي خرّيج كلّية حقوق، وكانوا قبلاً ومعاً في خدمة "الأمن السياسي" بحمص، واحد منهم كان عمّه مديراً لإدارة شؤون الضبّاط في وزارة الدفاع "إبراهيم الصافي"، الثاني كانت واسطته لدخول الأمن السياسي وهو برتبة ملازم حربي إمام جامع ناعسة في القرداحة، والثالث "السنّي" كان من الواضح تقريباً أنّه ذهب معهما ومع رئيس فرع الأمن السياسي في حمص وقتها العلوي طبعاً واسمه "نصر جعفر" فرق عملة!
وكانت تهمة الجميع "تهريب الآثار" آثار من "تدمر"، ضبّاط يهرّبون الآثار!، كيف يهرّب ضبّاط الشرطة والأمن الآثار في سوريا يا ناس؟، هذا ممنوع ومحرّم، والقانون السوري يُطبّق بحذافيره، القانون السوري صارم!.
التنقيب عن الآثار واستخراجها وتقييمها وتهريبها وبيعها كان شأناً خاصّاً برفعت أسد وحده، رفعت أسد الذي "نكش" بحثاً عن اللُقى العثمانية يمين وشمال سكّة قطار خطّ الحجاز من "نصيب" في درعا إلى دمشق حيث خبّأها الذين قرّروا الخروج من بلاد الشام بعد انهيار الدولة العثمانية، فاتّخذوا من السكّة وسيلةً لتحديد "نقاط علام" على طولها، وحين لم يعد رفعت أسد في البلد فلا يجوز لأحد أن يُجرّب أن يُنقّب أو يُهرّب.
وصلنا إلى السيرة، سيرة رفعت أسد والشرطة والآثار معاً، فيوم مات "حافظ أسد" أُقيمت حواجز "أمنية" في معبر "نصيب" الحدودي بين الأردنّ وسوريا، مع تعليمات صارمة وبرقيات واضحة لاعتقاله واعتقال كلّ أبنائه حال احتمال محاولة قدومه شخصياً أو عبورهم أو مرورهم جميعاً، سوى "دريد" و"مُضر" وابنة من بناته، كانت الأوامر صريحة، اعتقال سومر وفراس وريبال وإلخ، فتمّ التعرّف على أسماء أولاد عمّ السيّد الرئيس المُشاكسين وعلى أولاد عمّه الراغبين بالانتقال السلمي للسلطة، وبالطبع كان هناك الكثير من الأسماء من غير هذه العائلة الراقية.
فوراً تمّ إصدار قرارات كثيرة وإجراءات، حجوزات احتياطية وتنفيذية، منع سفر أو مغادرة، إلقاء قبض، إذاعات بحث وتدقيق وإصرار على مكافحة الفساد!، هل ثمّة ما هو أفضل من أن تقوم "عصابة مجرمين" بالعمل على مكافحة الفساد؟.
من ضمن الإجراءات وقتها أن تمّ تكليف الضابط المحترم المنشقّ "نوّاف الحمّادة" لرئاسة سرّية حراسة قصر "رفعت أسد" أو بالأحرى مينائه الخاصّ الواقع قرب المدينة الرياضية في اللاذقية على الضفّة الشرقية من البحر المتوسّط، وكانت ثمّة تماثيل مُنتشرة ماثلة أو جاثمة في باحات القصر وأروقته وصالوناته، تماثيل أثرية صغيرة متوسّطة وكبيرة، والعجيب أنّ أكبر تمثال فيها هو الذي كان يستأثر باهتمام عناصر الحراسة وعنايتهم، كان تمثالاً لحافظ أسد الذي كان رئيساً للجمهورية العربية السورية وكان نائبه المعيّن في آذار 1984 حال حياته أخاه "رفعت أسد"، ثمّ حال موته -لستُ متأكّداً- واستمرار سكوتنا ابنه "بشّار أسد"، أيّة جمهورية هذه يا ناس وأيّ بلد!.
كان التمثال مصنوعاً من الذهب والبرونز، كان واضحاً ودقيق الصنع، لكنّ أحد عناصر الشرطة الفرحين بمكافحة الفساد كان يعتقد أنّه تمثال "لويس قصير"، نعم لويس قصير هكذا كان يعتقد ويقول: حتّى تمثال "لويس قصير" صادرناه، وهو يقصد "يوليوس قيصر"، لكنّ مكافحة الفساد -ربّما- جعلته يتلعثم!.
بين الفساد والشرطة وأمنها السياسي وضبّاطه والآثار، رفعت، حافظ، ورئيس الجمهورية العربية السورية، وسكوتنا الطويل، والله بالله وتالله، من الطبيعي أن نتلعثم.
التعليقات (1)