ما خفي أعظم.. "بو عزيزي سوريا" وقصة ثلاثي الموت الذي يطارد السوريين

ما خفي أعظم.. "بو عزيزي سوريا" وقصة ثلاثي الموت الذي يطارد السوريين
مات "بوعزيزي سوريا" بسام الحلاق (52) عاما، إلا أن النيران التي التهمت جسده، لا تزال تلاحق عشرات وربما مئات آلاف السوريين نازحين ولاجئين ومعتقلين في لبنان، وفي كل مكان.

بوعزيزي تونس أحرق نفسه، في منتصف كانون الثاني 2011، بنيران القهر والاحتجاج ضد حكومته ونظامه الظالم، بينما جسدت نيران " بو عزيزي سوريا" قهرا متعدد الأبعاد يجثم على صدور السوريين منذ 9 سنوات وما يزال.

ما خفي أعظم!

وفي أول رد لرئيس هيئة متابعة شؤون اللاجئين السوريين في طرابلس عبد الرحمن العكاري على سيل الانتقادات التي وجهت للرجل الذي أحرق نفسه، لما يمثله ذلك من جريمة كبرى في ثقافة وعقيدة الشعب السوري المسلم؛ فمهما كان الظرف قاسيا فإنه لا يُتصور لرجل مسلم ويصلي أن يُقبل على الانتحار.

ولكن العكاري يُعلق على ذلك كله بنشر صورة للحلاق وهو على سجادة الصلاة، ويقول؛ "إن سألتني هل وصل واقع السوريين في لبنان إلى هذا الحد؟، أجيبك بل أكثر من هذا بكثير".

ويقول: "الضغوط الأمنية على خلفية انتمائهم السياسي، في إشارة إلى معارضتهم ظلم وحكم نظام أسد بدمشق، وزج العديد منهم في السجون اللبنانية دون محاكمات أو مرافعات، وشطب مفوضية اللاجئين، لأسمائهم من قائمة المساعدات دون معايير واضحة ، والركود الاقتصادي والوضع المادي السيئ الذي قصم ظهر اللبناني فكيف بالنازح السوري!".

ولم يكتف العكاري بما ذكر بل فتح القوس على مصراعيه؛ لأن الأسباب الخفية أكثر من أن تحصى، وكأن المأساة السورية كلها تجسدت بإحراق الرجل الخمسيني لنفسه.

لسان حال!

وأما زينب أرملة سورية لاجئة في قرية مجاورة "لتعلبايا" في البقاع الأوسط، حيث أحرق "الحلاق" نفسه، عبّرت لأورينت نت عن تعاطفها معه ومع عائلته طالبة له الرحمة، وقالت وهي تغص بكلماتها،" كل الكلام اللي ذكروه في الإعلام عن الحادثة مضبوط؛ الميت حرق قلبي ، والظلم اللي اتعرضلوا هو حال كتير من السوريين هون".

وفي المنطقة المذكورة التي تعيش فيها زينب ونحو عشرة آلاف  لاجئ سوري، تقول، " قدمنا للمفوضية للحصول على المساعدة فقالوا غير مؤهلة مع أني أرملة وعندي أربع أولاد، اثنان ، فقط كانوا يشتغلوا وبأجور زهيدة".

وتضيف "ضروري نكون بالخيمة حتى نكون مؤهلين؛ قبل كورونا كان يادوب ماشي الوضع؛ من شهرين ولادي ما اشتغلوا وأجار البيت 400 ألف لبناني (حوالي 250 دولارا)، مو عرفانه منين بدي دبرها، ثم سكتت برهة ؛ الله لا يسامح المفوضية!".

وتتابع زينب "غريبة وعجيبة هالمفوضية، هناك عوائل لا تجد ثمن ربطة الخبز ولا تتلقى مساعدات وعوائل تمتلك محلات ومعها مصاري (مال)،  ويتلقون مساعدات؛ هناك الكثير من أمثال بسام ، ودمو  برقبة المفوضية".

هل يكفي الاعتذار؟

بالمقابل اعترفت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، أن المساعدات التي قدموها لأسرة الحلاق قليلة وغير كافية، وأن العديد من أسر اللاجئين من أمثال الحلاق يعانون ظروفا مأساوية، 

وأشارت المفوضية في بيان إلى أن هناك "معلومات خاطئة تم تداولها في وسائل الإعلام حول حادثة وفاة الحلاق، وقالت: "حصل اللاجىء وعائلته على المساعدة النقدية الخاصة بفصل الشتاء من مفوضية اللاجئين من تشرين الثاني إلى آذار. ومع ذلك، نفهم بالطبع أنها غير كافية وأن الوضع الاقتصادي للأسرة، رغم الدعم، ومثل العديد من أسر اللاجئين الأخرى، لا يزال مأساويا للغاية".

"ولهذا السبب سندعو إلى توسيع شبكة الأمان للاجئين خلال هذه الفترة العصيبة"، كما جاء في البيان.

وبالطبع لن تكفي المساعدات!" في ظل مصاريف إدارية ونفقات تشغيلية بملايين الدولارات تنفقها المفوضية لا جدوى منها ولامنفعة"، كما يعلق رئيس هيئة متابعة شؤون اللاجئين (العكاري).

ورغم وجاهة بعض التبريرات التي ساقتها المفوضية في بيانها عن الحادثة و أبرزها تأثير "كورونا" وتداعياته الاقتصادية، على العالم وليس على السوريين فقط، إلا أن الحلاق ليس الحالة الوحيدة التي ماتت بسبب إهمال المفوضية، فقد سبق خلال العامين الماضيين، موت ما لا يقل عن 15 سوريا في لبنان بينهم أطفال بسبب البرد والجوع، ولا يبدو الفرق كبيرا بين مأساتهم ومأساة عائلة الحلاق، غير أن لهيب مأساة العائلة كان ظاهرا، بينما مات أولئك ولهيب النار بقي في صدورهم.

ومع استثناء نحو مليون لاجئ سوري يعيشون في أوروبا، فإن حال السوريين في لبنان التي تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن مليونا ومئتي ألف منهم يعيشون هناك، لا يختلف عن حالهم كثيرا في مختلف بلاد النزوح واللجوء وحتى داخل مناطق سيطرة نظام أسد (نحو 15 مليونا في المناطق المذكورة عدا لبنان).

ثلاثي الموت يطارد السوريين

مات  الحلاق، "نجار الباطون" السوري ابن مدينة داريا هاربا من بطش نظام أسد؛ الذي ارتكب مجزرة شهيرة في مدينته 2012 قتل فيها 1200 مدني على الأقل، لكنه ترك عشرات أو ربما مئات آلاف السوريين يواجهون اليوم واحدا من ثلاثة مخاطر، أوكلاها معا، وكلها تؤدي إلى الموت أو ما يُشبهه.

 تركهم الحلاق إما لمواجهة الاعتقال والقصف والحصار من قبل الماكينة الأمنية والعسكرية لنظام أسد، وأما من ينجو فيواجه النزوح داخليا أو خارجيا مع الإهمال القانوني والإنساني للمجتمع الدولي وأممه المتحدة، رغم كل القرارات الأممية الداعية لإحلال السلام والانتقال السياسي في البلاد، وأخيرا تركهم لمواجهة خطر كورونا؛ الذي بات يطاردهم في أرزاقهم قبل صحتهم في كل مكان.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات