شكل مشهد التضامن الكُردي مع خان شيخون في كل من القامشلي، حلبجة في كردستان العراق، وزردشت في كردستان إيران، مع الحدث الأسخن والأكثر فظاعة منذ أحداث
على الرغم من عدم تفعيل أو تجسيد هذه اللوحة بالشكل العملي المطلوب، ربما لعدم رغبة الإعلام اللامحايد في تعميق أي صورة لأي تجسيد إنساني في علاقة الكرد - والعرب، أو ربما لكبر حجم مأساة
إن كانت وسائل التواصل الاجتماعي قد ألغت وأذابت الحواجز والحدود بين الدول والمجتمعات، لتحمل هموم كل منطقة إلى ضمائر العالم في الطرف الآخر من الأرض، فإن موقف أهالي العاصمتين التونسية والأردنية، ومدينة بني وليد في ليبيا ومدن في فلسطين، المندد بالقصف الأمريكي على مطار الشعيرات لم يأت بجديد لجهة عدم الاكتراث العربي بمأساة العصر الحديث، مأساة الشعب السوري من 2011.
اليوم، يمر أكثر شهر على الذكرى الـ 29 لفاجعة حلبجة، الجريمة التي وقعت منتصف آذار من عام 1988، والتي كان الموقف الرسمي، خاصة الأمريكي آن ذاك، يمثل بحد ذاته جريمة تضاهي الجريمة نفسها، فالنفاق السياسي والإنساني الأوروبي والدولي تجاه حرق الأحياء بغازل الخردل والسيانيد في حلبجة، مقابل مجاملة النظام العراقي في حربه ضد النظام الإيراني، أوصل الكُرد إلى جينوسايد القرن الماضي.
ولعل أكثر المستفيدين من الصحافة والإعلام في القرن الماضي كانوا أهالي حلبجة الذين تعرف العالم على أندر المحارق بشاعة ونوعية، عبر بعض الصحفيين والإعلاميين الذين لولاهم لربما ماتت القضية كغيرها ومثيلاتها الكثيرة.
اليوم وبعد أكثر من ربع قرن لا تزال العقلية ذاتها والنفسية عينها والتصرف نفسه يُعاد ومن جديد وفي رقعة جغرافية متصلة إنسانياً، ولا تزال المبادئ والخطوط الحمراء والحماية الإنسانية الدولية للمستعطفين هي - هي، مجرد هباء أو غطاء لمخططات أكبر، ولا تزال الحماية الدولية للمدنيين مُجرد تلاعب بهلواني بالألفاظ لا أكثر.
بعد أكثر من ربع قرن تكررت الجريمة نفسها، أبيد أطفال خان شيخون بتوأم المادة التي أبيد بها أطفال حلبجة بالأمس، وما كانت حلبجة ولا كانت خان شيخون في هذه الحالة، لولا التخاذل الدولي تجاه القضايا الإنسانية.
ربما الفرق بين حلبجة وخان شيخون هو أن الرد الأمريكي جاء مباشرة، وهي من المرجح أن تكون
بالأمس حاول مجلس الأمن حفظ ماء وجهه، لكن المنشفة الروسية أبت إلا أن تُبقي وجه مجلس الأمن قبيحاً وكاشفاً عورته وحقيقته، خاصة وأن أعضاءه الدائمين كان بإمكانهم أن يتصرفوا خارج تلك الغرفة التي أباحت قتل وهدر دماء السوريين.
لا يزال التاريخ يُعيد نفسه، ما عاناه الكرد من أعتى الأنظمة العربية، باتت الشعوب العربية هي ذاتها تتذوق من الكأس عينها، ومن كان بصمته وتجاهله ــ الأوربيون وأمريكا سابقاً ــ لأوجاع قلوب وأكباد الكرد، بات السوريون خصوصاً والعرب عموماً يزرفون الدموع ذاتها.
لا أتوقع أن تنكسر إرادة أهالي خان شيخون، ولا إرادة عموم السوريين، فالمسرح في حلبجة واضح والإرادة في إقليم كردستان واضحة، بعد حرق ودفن مئات الألوف من الأحياء، لا تزال الإرادة الكُردية تتجه نحو مزيد من الدفع باتجاه الاستقلال والحرية من الأنظمة المتشابهة فكرياً وعقائدياً، في خان شيخون سيتكرر مشهد المقاومة ذاتها، وستنتصر الأنفاس الأخيرة للأطفال قبل وداعهم لهذا العالم السافل.
كما انتعشت حلبجة وأضحت "قبة الشهداء" فيها مربطاً لكل دول الغرب والشرق، ستتحول خان شيخون هي الأخرى إلى نقطة فارقة في الحدث السوري.
التعليقات (6)