تُعدّ اللغة مفتاح التواصل بين الشعوب، وتُعدّ من بين أبرز واجهات الدولة وحيوية حضارة الثقافة. إضافة إلى أهمية اللغة في عمليات التوظيف والاشتغال المدني والسياسي وغيرها.
المشكلة بين الكرد واللغة العربية، ليست مشكلة عداوة لغة قوم تأخذ مكانة لغة قوم أخر. على الدوام وحتى اليوم, يُستدل على أهمية اللغة العربية بإقحام القرآن الكريم كدليل على سمو هذه اللغة على باقي اللغات, متناسين أن كتاب الله جاء لهداية فئة تتقن لغة وحيدة. ازدادت المشكلة مع مطالبة الكرد باحترام لغتهم في ظل القمع والنكران والكبت والضغط والقيود المفروضة على اللغة الكردية.
ضمن السياق ذاته يُمكن التدليل على تشبث الكرد بلغتهم بإسقاط لغة المناهج المدرسية في سوريا على النطق غير السليم للغلة العربية من جانب الطلبة الكرد من جهة, وعدم نسيانهم للغتهم الكردية حتى بعد انقضاء فترة الدراسة الجامعية. هذه الحالة لا ترتبط بعنصرية أو رغبة كوردية في عدم الإلمام بلغة محكية مهمة, بل عائدة إلى تشبث الفرد بلغته الأم من جهة, ومن جهة أخرى تصديه لكل محاولات التشويه والتعريب الممنهج.
على صعيد السياسة الكردية من المفروض أن يكون الكرد وخاصة من في موقع المسؤولية وبشكل أخص الملزمين بالخروج على شاشات الفضائيات والمحطات الناطقة باللغة العربية أن يكونوا على بينة وقدرات عالية بالنطق باللغة العربية بغية إيصال الفكرة السليمة مع حركاتها وترقيماتها، لكن ربط ضرورة تعليم اللغة العربية كدليل على صدق نوايا الكرد في البقاء ضمن سوريا أمر يعود بنا إلى الذهنية المترسبة في العقلية العربية في سوريا والعراق عن التآمر الكردي على العمق العربي ورغبة الكرد في نسف الوجود العربي.
سيتساءل أحدهم: هل يمكن استخدام القياس ذاته؟ أي هل عدم إلمام القيادات العربية باللغة الكردية دليلاً على النية المبيتة بالسوء ضد الكرد؟ وهل عدم تمكّن شخصية سياسية كوردية الحديث باللغة العربية أصبح المقياس الجمعي وشمولها لمقدمات جميعها والحصول على النتائج ذاتها.
وضمن الحديث عن أهمية اللغة العربية, كلغة تخص شعب وقومية, وليس فقط العرب في سوريا وحدهم. والسؤال الذي يطرح نفسه ما الذي يدفع أبناء العرب في الإمارات وقطر والجزائر وتونس التحدث بالإنكليزية والفرنسية أكثر من التحدث بالعربية مع بعضهم ومع الآخر، ولو قورِنت أهمية اللغة والنطق بها, لكانت الجدارة للعرب في الحديث بالعربية, ثم للكرد والعرب في الاتفاق على الاحترام المتبادل للّغات الحية.
فهل الحل يكمن في ضرورة تعلم اللغة العربية وحدها, أم أن ازدواجية اللغة الرسمية في دولة مختلطة وفيها مكونات عديدة هو الحل؟ لذا ثمة ضرورة ملحة في التعلم المزدوج للّغات سواء المحكية الرسمية كالعربية حتى اليوم أو الواجب بالضرورة دمجها مع اللغات الرسمية كالكردية حتى لغات الأقليات الأخرى كالأشورية. لكن اقتصار التوصيف على الاندماج بتعلم لغة محددة كما ورد عن الدول التي تشترط تعلم لغتها ربما هي أكثر بعدا عن الواقع، فمثلا في سويسرا أي لغة يجب أن يتعلمها طالب اللجوء؟ وهل على الكردي أن يتعلم العربية كجواز عبور أو نجاح في امتحان الحصول على الجنسية أم أن الأمر يحل بتنشئة الجيل الجديد على تعددية اللغة حسب النظام التربوي السليم.
خاصة وان الحديث عن ضرورة بلورة هوية جامعة – هذا إن اتسع الوقت لتلك الهوية- يستلزم بالضرورة تعلم وإدراج اللغات الأكثر حيوية والأكثر نطقا واستعمالا ضمن اللغات الرسمية في سوريا" العربية والكردية والأشورية».
المشكلة هي ذاتها تعاد ولو بنكهات أو تسميات جديدة، فحصر اللغة الكردية ب10%, يخلق متاهاتٍ ستجد النخبة السورية نفسها ضائعة وسط حقل ألغامها, فمثلا من حدد نسبةال10%, ثم عن أي هوية جامعة نتحدث أن بقيت هذه اللغة ضمن المختصين الناطقين بها فقط, إضافة إلى أن الأكثرية العددية في الإقليم أو المنطقة المحددة هي الأخرى تتحول إلى الغالبية فمثلا هل يمكن للكرد أن يطلبوا من الأشوريين ألا يتكلموا سوى الكردية لأن عددهم أقل من عدد الكرد في كوردستان سوريا، أو هل يمكن سحب موضوع النسبة على العرب في محافظة الحسكة.
يجب أن ندرك أن الكرد خدموا اللغة العربية حتى وهم يخدمون قوميتهم لسبب بسيط أن جل الكتابات القديمة للكرد من شعراء أو مفكرين أو مؤلفي نأو...إلخ كانت باللغة العربية. واللغة عامل مهم في نقل التراث والفكر والإرث الحضاري والحفاظ على الأنا الكردية مقابل الآخر المختلف لغوياً وقومياً وثقافياً. ومن أشهر الشخصيات الكردية التي ساهمت وأغنت شتى مجالات الحياة سواء عند العرب أو الفرس أو الترك نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر«زرياب، ابن الأثير،الدينوري، ابن النديم» كتبوا بالعربية وليس باللغة الكردية, فهل هناك من يتحدث عنهم أنهم كورد خدموا اللغة العربية.
الأكثر إزعاجاً في مقالة الزميل باسل العودات أنه ربط مفهوم البقاء ضمن الدولة السورية بضرورة حصر النطق الرسمي بلغة وحيدة من جهة, ومن جهة ثانية كدليل على رفض التقسيم أو الانفصال كتُهم جاهزة معلبة للكرد دوماً.
بعيداً عن لغة ربط التوصيف الوطني بشرط اللغة العربية، فإن تعلم اللغات المحكية ضمن النطاق الجغرافي الواحد أمر مهم يقابله من الأهمية تعلم أبناء الحيز الجغرافي لجميع اللغات الموجودة.
تعرضت اللغة الكردية لغزو ثقافي فكري ممنهج، استهدفت الكرد في وجودهم, وكرغبة في العمل على انزياحهم الثقافي والتراثي عبر فرض اللغة العربية عليهم. حتى ضمن أروقة كلية الآداب كانت اللغات الإضافية في الأدب العربي والأدب الإنكليزي والفرنسي تتسع دوماً لتشمل جميع اللغات المحكية دولياً وإقليمياً وعالمياً بما فيها اللغة العبرية. لكن وحدها اللغة الكردية كانت من المحرمات والموبقات والممنوعات. اليوم سيكون من المعيب جداً أن يكون شرط رسمية اللغة الكردية في كوردستان سوريا كأحد الامتيازات التي تمنحها المعارضة السورية للكرد.
بقي أن نذكر أنه لا منهجية لحركة سياسية ما لم تكن مطلعة ومتقنة للغة الطرف المُحاور معه حول أي قضية كانت, خاصة في ظل عدم تكافؤ موازين القوة والمصالح.
التعليقات (9)