حالياً تتمتع الفصائل المسلحة المعارضة بمعنويات عالية وإرادة قتال صلبة بعد فك الحصار عن حلب. لكن من المؤكد أن الطيران الروسي –إن رغب بذلك- سيكون له الكلمة الحسم في معركة تحرير حلب. فامتداد الخارطة الجغرافية لمعركة حلب تجعل من الجيش السوري عاجز عن حسم المعركة، ومن غير المؤكد أن تستطيع المعارضة السورية من دون دعم إقليمي وخاصة الجار القريب من حسم المعركة.
وجه أردوغان رسالة قوية لجميع خصومه السياسيين في داخل وخارج تركيا، سواء من الكورد في كل من سوريا وتركيا، أو الجماعات التي حاولت الانقلاب أو أوروبا التي تركت وكما صرح اردوغان، تركت تركيا لوحدها تواجه مصير الانقلاب العسكري الفاشل، وحتى أمريكا غير مستثنية من رسالة زيارة اردوغان لروسيا، لما لطبيعة المنطقة من تداخلات إقليمية وجغرافية ودور كل من روسيا وأمريكا في الحرب الدائرة في سوريا.
كما لا يمكن فصل نتائج فك الحصار عن حلب عن نتائج زيارة اردوغان إلى القيصر الروسي فالمعركة الأخيرة أثبتت أن الفصائل الإسلامية هي العمود الفقري والنخاع الشوكي للمعارضة السورية المسلحة، وهو ما تخشاه روسيا وتبتعد عنه أمريكا وتقترب منه الدول الإقليمية.
من المرجح أن تكون الحرب في سوريا طويلة جداً، خاصة وأن حلب عصية على كافة الأطراف من السيطرة عليها، وهو ما يُزيد من الأعباء الاقتصادية التركية، خاصة مع احتضانها لملايين السوريين سواء في المخيمات أو في مدن تركيا وضواحيها وما يتميزون به من مزايا. الحالة هذه تضع الثورة السورية أمام منعطفات كثيرة منها بقاء الوضع هكذا وتأرجح حلب بين الطرفين قد يدفع بالنظام إلى ترك مناطق شاسعة بيد قوات سوريا الديمقراطية والاكتفاء بالدفاع عن مناطق خاصة به فقط، وهو الأمر الذي سيجعل من الداخل التركي لهيب من النار، والمنعطف الأخر فإن نقاط السيطرة قد يُعجل بتقسيم سوريا وهو الأمر أيضا الذي يجعل من أردوغان مستعداً للذهاب إلى روسيا بغية ضبط الواقع بشكل أكثر أو على أقل تقدير الضغط على روسيا لمنع تضخم ورقة حزب الإتحاد الديمقراطي.
لكن في الطرف المقابل فإن الموقف المُحرج لا يخص تركيا ورئيسها وحده، بل أن بوتين نفسه قد أرهق سلاح الجور الروسي من استطلاعاته وغاراته الجوية على معاقل المعارضة السورية، خاصة ما توثقه وتأرشفه كاميرات الصحفيين من قتل الأطفال والنساء والمدنيين والعزل. بعد أقل من شهر سيحتفل بوتين بعيد ميلاد سلاحه الجوي الأول في السماء السورية وهو ما يعني أن روسيا قد أدارت وجهها عن عامل الوقت والمدّة الزمنية لبقاء قواته خارج حظائر طائراته حتى وجد نفسه شريكاً في النزاع المسلح وبات مثله كمثل أي فصيل برّي يُحارب كمرتزق وليس كقوة عظمة، خاصة وأنها عاجزة عن حسم المعركة المسلحة بعد أن عجزت عن حسم المعركة السياسية وعجزها عن تثبيت حليفتها حزب الاتحاد الديمقراطي في مفاوضات جنيف3، وهي الخسارة السياسية التي مُنيت بها لعجزها عن رفد ودعم حلفائها العسكريين، سياسياً.
ربما تكون تركيا مُحتاجة أكثر من غيرها لصداقات وعلاقات اقتصادية ودبلوماسية، لكن روسيا هي الأخرى باتت بحاجة للانتشال من المستنقع السوري، وهي ما ستجد ضالتها في زيارة رجب طيب أردوغان إلى روسيا، وربما يتفقان معاً على ضرورة محاربة الإرهاب وهي النقطة الخلافية الجديدة بينهما من هي الجهات الإرهابية التي يجب أن تُحارب من قبل كلِيهما، وهل ستتخلى تركيا عن شرط تغيير النظام مقابل تخلي الروس عن دعم حزب الاتحاد الديمقراطي. وهل سيكون الاتحاد الديمقراطي حليف روسيا العسكري فقط، ضمن القائمة التركية التي يجب أن تُحارب. أم فقط سيُوضح حد لمزيد من تقدم ب ي د في سوريا.
ربما يُعاد صياغة ملامح الغدر الروسي بجمهورية مهاباد الفتية في منتصف القرن الماضي، لكن المختلف في الأمر أن الإتحاد السوفيتي آن ذاك كان يدعي وقوفه إلى جانب الشعوب المضطهدة بعكس ما تقوم روسيا به اليوم من قمع وقصف الشعب السوري، والمشترك بين الأمس واليوم فيما لو تخلت روسيا عن حليفتها الــ ب ي د أنه في كِلا الحالتين الضحية واحدة.
حتى وأن غُدر بالإتحاد الديمقراطي ودفع عموم الشعب الكردي فاتورة تصرفاته، فإن لا أحد يملك الحق في النقد أو البحث عن الأسباب، من كان منزله من زجاج لا يرمي الآخرين بالحجارة، فإن كان البيت الكردي مُترهل ومتبعثر كف للأخر أن يخشاه. لكن النكتة التي يُرددها بعض البسطاء من الكورد، لماذا سيتخلى عنا الأخر ولا يقدم لنا حقوقنا، وكأن الدُنيا مُلزمة بالكرد، والكورد مُلزمون بالتناحر الداخلي.
التعليقات (10)