لكن المشكلة الأبرز كانت تعارض الحلم الكوردي مع سلبية مواقف بعض شخصيات وأطراف من المعارضة, إضافة إلى غياب آليات وأدوات تفعيل وتطبيق قرارات المجلس الكوردي وخاصة كيفية تنفيذ المشروع القومي الذي يصرح به المجلس ويصف نفسه كحامل لهذا المشروع الجديد في الأمر هو إعلان حزب الإتحاد الديمقراطي طرحه ورؤيته الجديدة لسوريا المستقبل, عبر طرح مسودة مشروع تطوير الإدارة الذاتية، غير معروف أغلب بنوده ولا حدوده ولا نوعية العلاقة بين الطرف والمركز عبر طرحهم لفدرالية تحت مسمى فدرالية الاتحاد الديمقراطي لروج افا – شمال سوريا, لكن ما يلفت الانتباه هو تصديق فئة من الكورد أنهم حصلوا على الفدرالية كنظام نهائي وقائم بذاته في كوردستان سوريا.
بكل تأكيد الطرح الفدرالي مطلب جماهيري إن فكرة فدرلة سوريا، في واقع الأمر, ليست وليدة الصدفة, ولم تظهر للمرة الأولى حين صرح بذلك نائب وزير الخارجية الروسي في 29/شباط/2016، وإنما تعود إلى تشرين الثاني 2012, بالاتفاق الموقع بين الكتلتين الرئيسيتين للكورد في سوريا خلال اجتماعهم في هولير على الوحدة بينهما من أجل إقامة اتحاد فدرالي في سوريا, ذاك الاتفاق الذي فشل وتم فضّه بسبب تفرد ال ب يد بكل القرارات كما صرح المجلس الكوردي في حينه, أو عدم جاهزية المجلس الكوردي كما صرح ب ي د في وقته، للأسف, فإن ما يعاينه الكورد اليوم أشبه بكرة الثلج المتدحرجة فكلما حاولنا جرجرتها للاتفاق زادت الخلافات والتناحرات بينهم.
ويقيناً أن من يرغب بطرح مشروع فدرالي لا بد أن يستند على أسس قانونية وجغرافية وقبل كل شيء عمق استراتيجي كوردي, فهذا المشروع المُعلن والذي سترى بنوده النور بعد حوالي 6 أشهر, لابد أن يكون مستندا على التعامل البيّن مع المركز، وهو يطرح سؤال الهم السوري, عن أي مركز نتحدث، سوريا بنظامها الحالي، أم سوريا بنظام الحكم المقبل، وفي كلا الحالتين مشروع ال ب ي د رُفض بشكل رسمي.
إضافة إلى حُسن علاقات جوار, وهو الأمر المفقود أيضاً، فتركيا تتحين الفرصة المناسبة للانقضاض, واقليم كردستان العراق لن يعترف به هذا إن لم يكن قد خطا خطوات لمنع أمور معينة إضافة إلى رفضه جملة وتفصيلا من قبل أمريكا وهذا يعني إلزاما عدم اعتراف الأمم المتحدة أو أي جهة دولية أخرى, كما أن المعارضة السورية بل حتى اشد التيارات المتحالفة مع ب ي د والمحسوبة على المعارضة كتيار قمح قد رفض المشروع, ولن تكون هيئة التنسيق ذا موقف مشرف أو ايجابي من الموضوع.
إضافة إلى أن المجلس الكوردي قد رفض مثل هكذا مشاريع وفق هكذا أطروحات وبالتالي ومع كل هذه الضغوطات والرفض لن يجد الشارع الكوردي بديلاً عن حالة اليأس وفقدان الأمل، خاصة مع تواجد النظام في قلب قامشلو والحسكة بشكل علني، وهو ما يطرح سؤالاً مهماً: كيف لإقليم فدرالي أن تحكمه جهتان وفق توزع جغرافي متداخل ومتشابك. اليوم ثمة مشروع جديد يُطرح في المنطقة الكوردية, ولا يزال المجلس الوطني الكوردي رهين بياناته ومواقفه الضعيفة، بكل تأكيد المكان الطبيعي للكورد هو ضمن المعارضة لكن ليس ثمة أي ضمانات أو صكوك قانونية واضحة تُبيح اللامركزية السياسية بين الطرفين كشكل للحكم في سوريا, والإدارة الذاتية بشكلها الحالي وتقديم القرابين والشهداء دون أي ضمانات سواء من المجتمع الدولي أم من النظام السوري نفسه، هو أيضاً يُقدم كل هذه التضحيات بالمجان.
المشكلة بين الأطراف الكوردية في سوريا, مشكلة لا تستند إلا على أساس إلغاء وإقصاء الآخر, فالإدارة الذاتية غير مستعدة للتنازل من برجها العاجي وعرشها السماوي للتفاوض مع المجلس الكوردي ككيان كوردي يمثل ويعبر عن تطلعات شريحة واسعة جداً من الشعب الكوردي, ولا المجلس الكوردي استطاع استلام زمام المبادرة في طروحاته خاصة ضمن القوى المعارضة, فمنذ انضمام الكورد لصفوف المعارضة وحتى اليوم لم يستطع الحق الكوردي أن يُبصر النور ولو بدرجات متفاوتة، وحزب الاتحاد الديمقراطي ينظر إلى نفسه الحزب الأم لكورد سوريا وهو يتعاون ويتحاور مع جميع الأطراف وعلى اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم، لكن باستثناء المجلس الكوردي, كمجلس ذي كيان وخصوصية وحقوق وطروحات معينة, في المقابل فإن المجلس الكوردي يتعامل مع كل مشروع يطرحه ال ب ي د على أساس تنبيه أو تحذير الشارع الكوردي لخطورة هذه الطروحات دون أن يكون لهم رؤى واضحة حول آليات تطبيق ما يصبون إليه, دون نسيان الكم الهائل من المشاكل والخلافات الداخلية.
البعض يدور ويحوم حول الموضوع دون أن يُفصح عنه، لكن الرئيس مسعود البارزاني كان له موقف آخر, ففي لقاء تلفزيون سكاي نيوز العربي, صرح علانية أنه قلق جداً من الوضع في كوردستان سوريا, بل إن الرئيس باررزاني ذهب أبعد من ذلك وتساءل ماذا يفعل الكورد في سوريا، ولمن كل هذه التضحيات، يُدرك القارئ الجيد أن تاريخ مسعود البارزاني تاريخ مليء بالإرادة الصلبة والقوة وعدم الاستكانة أو الاستسلام، تاريخُ مليء بالتضحيات والذكاء وعدم اليأس، لكن الطريقة التي صرح بها عن خيبة أمله بالواقع الكوردي في سوريا، واليأس الذي أصابه من الساسة الكورد في سوريا، تُبين أن أياما سوداء قاتمة في انتظار الكورد وخيبة أمل كبيرة ستصيب حقوقهم، خاصة وإنهم لا يزالون يتصارعون داخلياً حتى في اللحظات الأخيرة والحرجة جداً. المشهد السوري دخل حدث المفاجآت بدءاً من انسحاب الروس من سوريا، وموقف إيران من تواجد جيشها في سوريا، ومخاض الرئاسة اللبنانية، وقرب انتهاء تحضيرات معركة الموصل ضد داعش, واليأس عن الواقع الكوردي، الذي لم يتحدث بمثيله البارزاني طيلة عمر الثورة السورية، كُلها تضع الكورد أمام الكارثة الكبرى في المخطط والمشروع الدولي في سوريا، وبقاؤهم مشردين مشتتين متشرذمين، يجعلهم فرائس سهلة للقوة المعادية للحق الكوردي.
التعليقات (7)